الأردن: حكومة الخصاونة على حافة ثلاثية «العرش والجيش والشعب»
عمان – «القدس العربي»: يقف رئيس وزراء الأردن الدكتور بشر الخصاونة على حافة المثلث الذهبي “العرش والجيش والشعب” لسبب على الأرجح، لكنه سبب غير واضح حتى الآن على الرغم من أن الحكومة قررت وللصدفة مع مجلس الأعيان وليس مجلس النواب، الارتكاز على جدار سميك يتضمن أقدس ثلاثية في ثوابت الأردنيين عندما لجأ الخصاونة ودون سياق واضح على الأقل إلى طرح ورقة الثلاثية الذهبية، وصرح وسط الأعيان الذين انتقدوا قانون الجرائم الإلكترونية الجديد أكثر من النواب بما لا يقارن بأن أحد أهم الأهداف هو حماية الثلاثية المشار إليها.
ذلك وقوف تشريعي على الحافة السياسية بالتأكيد، ويوحي بأن الحكومة تلعب في مواجهة حملة ناقدة شعبياً ونخبوياً، شرسة بورقتها الأضخم بعدما ثبت للقاصي والداني سياسياً أن القانون المعدل للجرائم الجديد لم يعد يقف عند حدود ملامسة أزمة مجتمعية، لا بل أنتجها وصنعها، ما لم يحصل الاستدراك الوحيد المتبقي الذي خاطبته عاصفة إلكترونية مجدداً مساء الإثنين، وتلقف عبارتها المستحدثة مئات الآلاف من الأردنيين بعنوان “الملك – حامي الحريات”.
المحتجون والمعترضون الكثر على القانون الجديد لجأوا للملك. والحكومة عندما التقطت مجساتها تحفظات وملاحظات واعتراضات مناكفة من بعض أعضاء مجلس الملك، طرحت معادلة ثلاثية العرش والجيش والشعب، التي من المتوقع أن يوفر لها الحماية على الشبكة، حسب منطق الحكومة القانوني الجديد، وطبعاً ودوماً بدون شروحات أو إجابة عن السؤال التقني والفني: لماذا وكيف تحتاج ثلاثية الأردنيين الأقدس إلى قانون من الصنف الذي مرره مجلس النواب لحمايتها، ومن من بصورة محددة؟
طبعاً هذا السؤال وغيره من التساؤلات الحرجة، لا تجيب عته أي رواية حكومية بعد، لكن جملة الخصاونة الاستدراكية وسط مجلس الأعيان تحتاج إلى التشخيص ووقفة تأملية، لأنها قد تكون المرة الأولى التي تجد فيها الحكومة نفسها مندفعة لتفسير مجرد تشريع إداري تنظيمي يخص قطاعاً على أساس حماية ثلاثية العرش والجيش والشعب.
هل قالها الخصاونة بجرعة مصارحة أكبر لاحتواء ردة فعل بعض الأعيان؟
هل قالها في إطار التكتيك أم أنه يكشف معطيات جديدة لم تكن في ذهن كل المحتجين اليوم على قانون الجرائم الإلكترونية؟
أغلب التقدير سياسياً، وجود سيناريوهين يتأملان الإجابة عن السؤالين.
الأول أن رئيس الوزراء وإزاء انتقال عدوى عدم فهم القانون ثم الاعتراض عليه إلى مجلس الأعيان، أي مجلس الملك، قرر “إضافة معلومة مهمة” فكرتها أن الدولة هي التي تطلب هذا القانون وليس حكومته فقط، وأن واحداً من أهم أهداف المعدل للجرائم الإلكترونية لم يرد بالأسباب الموجبة التي أرسلت للنواب، وهو حماية العرش والجيش؛ لأن القطاع الذي يعترض على القانون اليوم هو جزء مؤكد من الشعب، فيما الجزء الصامت من الشعب لم تظهر منه ولا كلمة واحدة في مدح القانون أو الإشادة به. وهنا لا بد من الافتراض بأن حكومة الخصاونة اضطرت، تجنباً لسوء التأويلات، إلى إضافة المعلومة الجديدة التي تقول إن تحصين مؤسستي العرش والجيش من الإساءة أو المخالفة أو حتى القرصنة إلكترونياً إنما تتطلب تطوير الميكانيزمات القانونية.
وهي وظيفة لم تعلن الحكومة عنها قبل جلسة الحكومة مع الأعيان صباح الثلاثاء، لكنها بكل حال وظيفة لا يمكن الاختلاف معها، ليس عندما يتعلق الأمر بهذا القانون أو بغيره وإن كان الاختلاف مطروحاً مع الحكومة حول خلفية الأسباب التي تتوقع هي أن ثوابت المؤسسات عند الأردنيين طالتها في الماضي أو يمكن أن تطالها مستقبلاً انتهاكات ومخالفات وجرائم الإلكترونيات.
في كل حال، هنا قدمت الحكومة “إفادة جديدة” ضمناً، لكنها مجدداً غير مفصلة. لذا، قد لا تكون منتجة؛ لأن كل الاحتجاج على قيود التعبير لا علاقة له لا من قريب ولا من بعيد بمؤسسات الدولة العميقة بقدر ما له علاقة بالغرامات الكبيرة والمصطلحات المطاطة والعثرات والأخطاء التشريعية التي وردت في القانون. وأيضاً لأن منظومة التشريعات والقوانين تعاقب أصلاً وتحاسب كل من تسول له نفسه الإساءة للمثلث الذي وصفه الخصاونة بالذهبي.
السيناريو أو الاحتمال الثاني في استخدام هذه العبارة اللامعة قد يكون مرتبطاً بتوازنات الحملة الاحتجاجية التي لم تتوقعها الحكومة بالتأكيد على قانون مثير للجدل بعدما وصلت تلك الاحتجاجات والملاحظات حتى إلى أوصال بنية بعض مؤسسات الدولة.
لكن عند إطلاق المخيلة للتحليل، وإذا كانت الحكومة في الحديث عن ثلاثية الجيش والعرش والشعب لا تضيف معلومة فقط بقدر ما “تستنجد” ضمناً وعملياً بمؤسسات الدولة العميقة وتحاول ردع رموز الدولة الذين ينضمون إلى الناقدين… إذا كانت هذه القراءة موضوعية، فيمكن القول إن الاستناد إلى جدار الثلاثية فجأة ومع الأعيان حصراً هو إيحاء ضمني بأن الحكومة باتت تدرك انضمام عنصر جديد إلى تركيبة المشهد الذي يتعلق ببقائها أو رحيلها لاحقاً.
وهو العنصر الذي يلبس ثوب أزمة مجتمعية تتراكم كالرماد الآن باسم قانون معدل للجرائم الإلكترونية… من هنا يتذكر كثيرون “الدوار الرابع” أو يذكرونه.