الأردن: هل تنتقل عدوى أمراض المحاصصة و«هندسة» الانتخابات؟
لا يلام مواطن يشعر بالعدمية ولا ناخب فقدت عملية الانتخاب مصداقيتها في قياساته بسبب سلسلة ممارسات في الماضي ليس مفيدا لا إنكارها ولا استدعاؤها الآن
يناقش أردنيون كثر فقدوا يقينهم بعملية التحديث والإصلاح السياسي بعنوان واحد فقط هو تقديم أدلة أو قرائن على أن فعاليات «الهندسة» وأمراض المحاصصة انتقلت كالفيروس لبنية الأحزاب الجديدة، وستنتقل كالعدوى بالضرورة إلى نتائج الانتخابات النيابية المقبلة.
حسنا، لا يمكن توجيه اللوم لأصحاب هذا الرأي والتقدير الذي يصنفه الرسميون علنا وفي الجلسات المغلقة برسم السلبية والعدمية. لا يلام مواطن يشعر بالعدمية ولا ناخب فقدت عملية الانتخاب مصداقيتها في قياساته بسبب سلسلة ممارسات في الماضي ليس مفيدا لا إنكارها ولا استدعاؤها الآن.
اللوم إن كان أصلا ضروريا ومهما في هذه المرحلة ينبغي أن يطال الحكومات المتعاقبة إن شئتم.
واللوم أو التلاوم إن كان ضروريا في مربع السلبية يطال من مارسوا عملية التضليل واقترحوا يوما بأن مصلحة البلاد والعباد تقتضي السيطرة والتحكم أكثر بالانتخابات أو يمكن أن يطال هؤلاء الذين اعتبروا دوما شيطنة المعارضة الوطنية بصرف النظر عن خلفيتها الأيديولوجية هو الدرب الوحيد لإثبات هيبة الدولة ودرء المفاسد.
إذا كنا كأردنيين سنواصل استدعاء الذكريات الحزينة والمؤسفة وسنبرر الانضمام لحملات اللطم الوطنية ونستمر في التلاوم قبل الانتخابات المقبلة علينا القول أيضا بأن الهندسة بمعناها السلبي وليس الإيجابي كان لها أحضان في المجتمع أيضا، وليس في الدولة وعلينا الإقرار بأن من قال يوما بالتزوير الشعبي لديه بالمقابل أدلة وبراهين نذكرها جميعا، فالكل أخطأ يوما ما وخيارات الأردنيين في الانتخاب كلاسيكية على الأرجح في كثير من الدوائر والمناطق لا بل جهوية أحيانا، ولا تجيد التمييز بين الكفاءة والاحترام من جهة، وبين أهلية التمثيل من جهة أخرى.
أنا شخصيا أضم صوتي للقائلين بأن بعض الشرائح في المجتمع ينبغي أن تبتعد عن عملية الانتخاب وأقصد الترشيح حصرا، سواء في قوائم الأحزاب أو حتى القائمة المحلية الفرعية على قاعدة فهمي لأن النيابة والتشريع تكليف لا تشريف، وأن القصة لا علاقة لها بأصحاب الوجاهة والزعامة الاجتماعية ولا حتى بأصحاب المال وجماعة البزنس والمقاولات وحتى الخدمات، فالعمل التشريعي في جذره يحتاج لأهلية وقدرة وتسييس وتفرغ في الوقت.
بالتالي ينبغي أن يدعم من يملكون القدرة والفكرة السياسية من أبناء المجتمع والعشائر والمناطق في الانتخابات الأجدر من شبابهم والأكثر قدرة على فهم متطلبات التشريع واحتياجات الرقابة والبصمة الوطنية في الدور والمناورة.
لا يلام مواطن يشعر بالعدمية ولا ناخب فقدت عملية الانتخاب مصداقيتها في قياساته بسبب سلسلة ممارسات في الماضي ليس مفيدا لا إنكارها ولا استدعاؤها الآن
من هنا يبدأ التغيير في الذهنية عند الإدلاء في الصوت… ومن هنا نفهم جميعا بأن أصل تدشين التغيير والأمل في المجتمع، وليس عند الدولة بمعنى أن من يملك المال والوجاهة الاجتماعية فقط ولا يملك مواهب غيرهما عليه أن يتنحى قليلا في الانتخابات، ويدعم من يتأمل فيه الخير ولديه مواهب ووقت لممارستها.
تلك ليست مهمة الدولة لأن الزوايا الرسمية تعيش أصلا في أزمة صناعة أدوات فهي غير قادرة على إنتاج أدوات جديدة عبر الانتخابات مما يمنح المجتمع والشعب هذه الصلاحية، وأغلب التقدير في الواقع أن اليقين في إنتاجية العملية الانتخابية سيعود بالتقسيط والتدريج عندما يتوقف الناخب نفسه عن الإدلاء بصوته على أساس هوية فرعية.
لا يوجد قانون في الكون يمكن أن يضمن ذلك.
ولا توجد دولة في العالم وظيفتها أن تقوم بهذه المهمة الاجتماعية الصعبة.
لذلك التلاوم قد يبقى لكنه ليس الخيار الأسلم عندما يتعلق الأمر حصرا بالذهنية الاجتماعية العامة التي ترى في الانتخابات عبثا بسبب سلسلة ممارسات تورطت فيها حكومات الماضي أو بسبب العدمية والسلبية التي أنتجتها ممارسات إدارية تعسفية، وسمت مسار تحديث المنظومة السياسية برمتها مبكرا بالتدخل والهندسة.
نفهم هنا بأن العدمية والسلبية ليست الدرب الملائم لتبرير غياب اليقين والامتناع عن المشاركة لاختيار الأفضل والأصلح.
ونفهم بأن ما يسميه بعضنا بقوى الأمر الواقع سرعان ما ستنقض على مسار تحديث المنظومة السياسية إذا تكرس العزوف الانتخابي ثم تعيد مؤسسات القرار إلى المربع السابق مرة أخرى، وتنتعش وتتغذى تلك القوى على الإحباط وغياب اليقين. طبعا ارتكبت أخطاء. وطبعا بعض تلك الأخطاء فادحة.
لكن بالمقابل من غير المعقول ولا المقبول أن نبرر العزوف والامتناع عن المشاركة في الانتخابات أو اغتنام الفرصة على أساس تلك الأخطاء فالخطأ لا يعالج بالخطأ.
وما يمكن للإيجابيين أن يفعلوه العودة لتذكير الجميع بأن المواطن الأردني أوعى وأكثر مسؤولية وولاء حقيقيا وإنتاجية من المسؤولين الذين يتم تركيبهم على أكتافه أحيانا، وأنضج من هؤلاء المغامرين الذين تخدمهم صدفة مرحلة أو فرية محاصصة ما.
تلك فرصة متاحة الآن في الواقع ولا بد من التفاعل معها باشتباك تصويبي يعيد القيمة داخل أروقة القرار برمتها إلى فكرة نضج ووعي المواطن وجدارته قياسا بحكوماته بالاستحقاق الديمقراطي والانتخابي.
التلاوم ليس حلا ولا التشكيك المطلق بالمسار.