الصفدي في إيران: أكثر من زيارة والإصغاء لما لا يقال على الهواتف أو عبر السفراء
ماذا عن دور الدبلوماسي ظريف كبير مستشاري الرئيس الإيراني؟
عمان ـ «القدس العربي»: أيمن الصفدي في طهران… واضح تماماً أنها ليست «زيارة عادية». الأوضح أنه لا يمكن اعتبارها مجرد «نقاش في الثنائيات» في لحظة عصيبة وحرجة.
وأغلب التقدير سياسياً أنها زيارة دبلوماسية عميقة بالتأكيد، لكنها تطرقت على الأقل إلى وجهات النظر المتبادلة بخصوص معضلة الإشكالية الأساسية اليوم بين عمان وطهران، بعنوان قواعد الاشتباك والسياق العملياتي.
طبعاً، لأسباب مفهومة لا يكشف وزير الخارجية الأردني كل أوراقه، لكن ما يفهم من شروحاته أمام الكاميرات الإيرانية تحديداً هو أن زيارته التي أثارت ضجيجاً واسعاً إلى طهران برزت إلى الواجهة بعد حديث هاتفي جمعه بنظيره الإيراني. لذا، الحديث هنا عن زيارة أعقبت رغبة الإيرانيين في لقاء الصفدي حصراً وعلى قاعدة «تعال نحكي معاً».
جرأة الوزير الصفدي الإعلامية في تأسيس منهج محدد على أساس ثنائي للزيارة، بدت واضحة للمراقبين. وصلابته في نفي رواية نقل الرسائل بين طهران وواشنطن وتل أبيب حكمها سعي دبلوماسي لتكريس القناعة بأن حضوره إلى طهران ناقش فقط الملف الثنائي مع علمه وعلم مرافقيه مسبقاً بأن الملفات الثنائية اليوم أصبح من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، عزل بعضها عن بعض، كما يلاحظ الخبير الاستراتيجي الدكتور أنور الخفش.
تقدير عمان
بكل حال، لهجة ولغة الصفدي وضعتا سياقاً للزيارة، فكرته أن نظيره الإيراني طلب منه زيارة طهران وعقد مباحثات، وأن القصر الملكي كلفه بتلبية الدعوة، فيما انتهت الاتصالات بالإعلان عن رسالة ملكية حملها الصفدي إلى الرئيس الإيراني الجديد المنتخب.
تستطيع أوساط سياسية تحدثت لـ «القدس العربي» في السياق، القول إن الأردن خلف الستائر يساند وجهة النظر التي تضغط في اتجاه منح الرئيس الإصلاحي الجديد مسعود بزشكيان وطاقمه فرصة في إثبات الوجود والتحرك ضمن المعطيات الإيرانية. وتقدير عمان الذي سبق الزيارة، هو ذلك الذي يوحي بأن وراء فكرة دعوة الصفدي إلى طهران الثعلب الدبلوماسي والسياسي الإيراني الدكتور محمد جواد ظريف، كبير مستشاري الرئيس الإيراني الجديد والمحرك الأساسي لطاقمه خلف الأضواء.
وظريف في السجل الأردني يوصف طوال الوقت بأنه «مرن ومتعاون». لكن بالمقابل، اعتبارات أردنية موضوعية في غاية الأهمية ينبغي أن تدفع في اتجاه فتتح قنوات اتصال، لا بل تفاهم مع الإيرانيين في هذه اللحظات الحرجة، وفقاً لما يقترحه البرلماني المعروف خليل عطية وهو يتحدث لـ «القدس العربي» عن ضرورة توسيع نطاق البيكار الأردني وإيصال رسائل الثوابت والمصالح لجميع الأطراف، بما في ذلك المتنازعة والمتصارعة.
ماذا عن دور الدبلوماسي ظريف كبير مستشاري الرئيس الإيراني؟
لم تعرف بعد حدود أي إمكانات لتأسيس تفاهمات عبر محور الصفدي ـ ظريف، والقائم بأعمال الخارجية الإيرانية؛ لأن أي مقايضة دبلوماسية بين الطرفين تتطلب ما هو أبعد وأعمق في الدولة العميقة في الجهتين، وعلى أساس القناعة بأن الوضع معقد وشائك.
لكن هذا التعقيد خصوصاً إذا ما اندلعت حرب شرسة بين إسرائيل وإيران، قد يصبح أقل تأثيراً ونفوذاً بعدما اطلع الوزير الصفدي وعبر مقابلات جريئة وصريحة، على ما تفكر به الماكينة الإيرانية، وإن كانت قناعة كبار المحللين والسياسيين واضحة وملموسة، ومن بينهم الخبير الاستراتيجي والعسكري البارز قاصد محمود، بأن الأجندتين في إطار التوازن والمصالح متقابلتان ومتعاكستان.
سؤالان صعبان
يسأل خبراء، بينهم محمود وغيره، في عمان الآن: ما هي المقايضة التي تفترضها طهران إذا قررت ضرب تل أبيب ويستطيع الأردن بأي صيغة أو طريقة ركوب موجتها؟
ما هي الخدمات التي يمكن أن يقدمها الإيراني للأردن عندما يتعلق الأمر بسياسة النأي بالنفس وعزل الجغرافيا الأردنية عن سياق الصراع؟
سؤالان في غاية الصعوبة والتعقيد لا أحد يفترض بأن الصفدي ونظيره الإيراني الذي تباحث معه في طهران قادران على توفير إجابة عليهما، وإن كان التنديد الصلب بجرائم إسرائيل وبعملية اغتيال الشيخ إسماعيل هنية في طهران وفي العمق الإيراني هو مساحة مناورة ملموسة لجأ لها الوزير الصفدي بذكاء.
السؤال الآن في محور عمان- طهران ليس سياسياً فقط ولا علاقة له حصراً بمسألة «معالجة خلافات الماضي» والدرب طويل لإعادة بناء الثقة بين العاصمتين، ويحتاج لعمل مجهد، وهو أصلاً ما فهمته «القدس العربي» من الصفدي أثناء التفاعل قبل أن يتضح لجميع الأطراف بأن ما قد تريده طهران بكل حال عملياتياً وعسكرياً من الأردن إذا ما اشتبكت مع إسرائيل، قد لا يكون متاحاً وممكناً بكل يسر وسهولة.
ذلك يعني أن اللقاء سياسي ودبلوماسي صحيح، لكنه على نحو أو آخر يوفر قناة يمكن الاستثمار فيها ثنائياً إذا ما قرعت طبول الحرب فعلاً، ولم يتمكن المجتمع الدولي من صد احتمالات الحرب الإقليمية المفتوحة إن لم تكن الشاملة. ضمناً، يمكن استنتاج أن ما تطلبه طهران من عمان في حال قصفها لإسرائيل صعب ومعقد، والأهم مغامر ومجازف.
وما يمكن لعمان أن تقدمه في مستوى الحياد في حال الصدام بين جاريها، قد لا يكون مقنعاً إلا إذا توصلت المستويات العميقة خلف الستائر والكواليس إلى تفاهمات عملياتية، ما وفرت لها القنوات الدبلوماسية الآن فرصة الولادة.
أسئلة الأردن الذي رفع لواء «لن يسمح لأي دولة استخدام الأجواء الأردنية لضرب دولة أخرى» كثيرة ومتزاحمة.
وفيما ينسجم الأردن هنا مع احتياجاته السيادية الأمنية، ينبغي ألا تطالبه إيران بالمجازفة بأمنه وسيادته، ولا حتى بالانسحاب المفاجئ من المحور الأمريكي، فيما طهران قالت خلف الستائر أيضاً إن لديها احتياجات أمنية بالمقابل، وأساسية، وتتوقع بأن لا تعترضها الدولة الأردنية مع كل العبارات المرافقة عن حرص إيران على تجنب أي مساس بالأردن.
الأسئلة متعددة والوضع معقد وهوامش وزوايا المناورة ضيقة والصدام العسكري يطرق الأبواب والاحتمالات متعددة.. لذلك رغب الإيراني باستضافة الأردني. وقرر الثاني قبول الدعوة على أمل التقاط ما لا يقال بالهواتف أو البرقيات أو حتى عبر السفراء.