اراء و مقالات

الضفة الغربية: متى «يتحرك» الأردن؟

سياسة النأي بالنفس أردنيا تصلح مع الكون وكل دول الجوار لكنها لا تصلح بين الأردن والضفة

ببساطة وصراحة… ما تحتاجه معادلة مصالح الأردن في الضفة الغربية تحديدا أكثر بكثير من مجرد زيادة كمية تصدير المنتجات لأسواق الضفة برافعة يتدخل فيها شخصيا الرئيس الأمريكي بين الحين والآخر.
ومؤكد أكثر من بقاء الرهان الأردني فقط في ملف الضفة الغربية على دعم أو عدم إضعاف السلطة الفلسطينية.
الضفة الغربية حديقة متقدمة جدا في تمثيل أعمق مصالح ومقتضيات واحتياجات الدور الأردني الإقليمي. الضفة الغربية لا يمكن التخلص منها لا جغرافيا ولا سياسيا ولا أمنيا ولا اجتماعيا بأي حال من الأحوال. وطبيعة العلاقة معها كانت تاريخيا دستورية وقانونية.
عندما يجرح طفل في الضفة الغربية تنشغل به مستشفيات عمان بحكم الواقع الاجتماعي وليس السياسي. سياسة النأي بالنفس أردنيا تصلح مع الكون وكل دول الجوار لكنها لا تصلح بين الأردن والضفة.
وثبت اليوم بالوجه القاطع أن بقاء الدبلوماسية الأردنية مختبئة ومختفية فقط وراء طبقة الكمبرادور الفلسطيني في الضفة الغربية لا يمكنه أن يحقق مصالح الدولة الأردنية العميقة، ولم يعد من المقبول القول بأن مصالح السلطة وأجهزتها هي التي تتحكم ببوصلة الأردن في مسألة الضفة الغربية ليس لأن السلطة الآن معزولة عن الواقع ولكن لأن العكس هو الذي ينبغي أن يحصل.
كل شهيد يسقط في قرى ومدن الضفة الغربية يقام له بيت أو عرس عزاء في عمان. وكل مريض لا يجد حبة دواء تتفاعل معه عمان وفقا لقواعد الشرع الإسلامي الحنيف القائلة بأن الشعب الواحد يسهر من أجل ذلك المريض.
الحياد نتائجه وخيمة في ملف الضفة الغربية وأهلها. التعامل بالقطعة والتقسيط مع سيناريو ضم الأغوار والضفة الغربية الإسرائيلي كارثة أمنية بامتياز.
الاهتمام بالكمبرادور والسهر على تلبية احتياجاته وتجاهل احتياجات بقية أهلنا في الضفة الغربية أقرب وصفة للمساس بحالة السلم الاجتماعي الأردنية وللمساس بدور المؤسسات الدستورية والسيادية التي يحترمها الفلسطيني قبل الأردني.

سياسة النأي بالنفس أردنيا تصلح مع الكون وكل دول الجوار لكنها لا تصلح بين الأردن والضفة

لم يعد من الممكن ومع سعي اليمين الإسرائيلي المجنون لحسم كل الملفات أن يبقى الأردن في إدارة دبلوماسية ناعمة للتطورات الخطيرة في الضفة الغربية وعالقا ببيانات تستنكر وتشجب، أو تحاول تذكير المجتمع الدولي البائس اليوم، والذي سقط في كل امتحانات العدالة والإنسانية، بوقائع الاحتلال في الضفة الغربية.
الضفة الغربية شئنا أم أبينا، أحببنا ذلك أم كرهناه… خاصرة الأمن الوطني والقومي الأردني. والاختباء وراء السلطة يعيق مصالح هذه الخاصرة ولا يخدمها. وما يقوله الخبراء أو المختصون أن ثلاثة أجيال من أهل الضفة الغربية على الأقل لا تعرف عن الأردن إلا جزئية الجسور والمعابر عند المغادرة لأي سبب أو احتياج إنساني.
غير مقبول بعد الآن البقاء في حالة استراتيجية تعويض الفاقد الذي يدمره الإسرائيلي في الضفة الغربية ويكفي الأردنيين وحسبهم ما يقدمونه بسخاء وكرم لتعزيز صمود أهل قطاع غزة.
غير معقول أن تعتقد المؤسسة الأردنية بأن واجبها إرسال كمية من المحروقات أو حبوب الأدوية أو أرغفة الخبز كلما فجّر الاحتلال بقالة أو محطة محروقات أو مخبزا في الضفة الغربية، والهجوم الدبلوماسي الأردني على إسرائيل في المجتمع الدولي بشأن الجريمة في غزة يحتاج لمقاربة هجوم أكثر خشونة ضد ما يفعله الاحتلال في الضفة.
لا نقول بفتح الحدود كما يقترح البعض ولا بالحرب على إسرائيل لكن استراتيجية النوم في مساحة تخاطب فقط الدول الغربية وتدعم السلطة الفلسطينية أشبه بسياسة جدع الأنف.
ليس دور الأردن فقط إرسال القمح الى مخابز الضفة الغربية بل تهديد الإسرائيلي بأوراق قوة محلية ووطنية يعلمها الخبراء حتى لا يستهدف مخبزا في حواري نابلس أو طولكرم بعد الآن.
ليس دورنا على أهمية ونبل ما تقوم به حكومتنا بناء مستشفيات مؤقتة فتلك خطوات نبيلة لا شك ومطلوبة لكن الأصل في الاستراتيجية المضادة هو منع الاحتلال الإسرائيلي من أي خطوة تؤدي الى تدمير القطاع الصحي الفلسطيني.
عندما تكسر جرّافة الاحتلال ماسورة مياه أو موقع تجمع للصرف الصحي في جنين تستهدف في الواقع أعتى وأعمق وأهم مصالح الشعب الأردني.
في اجتماع رفيع المستوى قبل سنوات طويلة حضره كاتب هذه السطور شعر مسئولون كبار بالزهو وهم يتحدثون عن بنية تحتية أردنية في مجال الخدمات في الضفة الغربية أنجزت بالتلازم والسياق الزمني مع شقيقتها في الضفة الشرقية.
لذلك ما يدمره بلدوزر الاحتلال على الأرض في جنين اليوم ونابلس وأريحا وطولكرم هو البنية التحتية الأردنية وليس الفلسطينية فقط.
ما نقوله بدون لف ودوران للمستوى العميق في دوائر القرار الأردنية: الإسرائيلي يلعب عالمكشوف الآن… لديكم أوراق قوية جدا تعلمونها ونعلمها لوقف التهجير… آن أوان استعمالها أو التلويح بها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading