بين «العقبة» و«حوّارة»: ماذا يسمع الأردن؟
المؤسسات الرسمية في الأردن، ومنذ أكثر من ربع قرن، ثبت بالوجه القاطع عدم وجود آذان لها في الضفة الغربية، لا بل هي بعيدة تماما ولا تعلم شيئا عن جيل كامل من الشباب الفلسطيني ولد أصلا في ظل اتفاقية أوسلو
باختصار ومن الآخر: «لا يريد الفلسطينيون إلقاء السلاح ويتمسكون بخيار الصمود والمقاومة واتخذوا قرارهم تماما». ولا يريدون الاستماع لأي إسطوانة مشروخة تتحدث عن «التهدئة» لأنهم ببساطة، ووفقا لما سمعته شخصيا من ممثلي شرائح كثيرة وكبيرة في الأرض المحتلة مؤخرا، لا يثقون بالنظام الرسمي العربي ولا بالسلطة الفلسطينية ولا يحترمون أي وعد أو التزام أمريكي.
ذلك حصرا ما يرفض المسؤولون الأردنيون الإصغاء إليه.
المؤسسات الرسمية في الأردن، ومنذ أكثر من ربع قرن، ثبت بالوجه القاطع عدم وجود آذان لها في الضفة الغربية، لا بل هي بعيدة تماما ولا تعلم شيئا عن جيل كامل من الشباب الفلسطيني ولد أصلا في ظل اتفاقية أوسلو. ومخاتير أريحا، الذين تحط رحالهم في عمان بين الحين والآخر، لا ينقلون أو يفعلون شيئا مفيدا.
أي عابر سبيل لمنصات التواصل المحلية يوم انعقاد ما سمي بقمة العقبة الأمنية يمكنه أن يسمع الصوت بكل بساطة ودون الحاجة الى رتبة وزير أو غفير من خلال تعليقات الاردنيين أنفسهم على عملية حوّارة الأخيرة التي قتل فيها مستوطنان اثنان.
زميل صحافي مغرق في الاعتدال والوسطية وجه رسالته المختصرة للمؤتمرين في العقبة يوم الأحد الماضي قائلا: «القمة في حوّارة «. ناشط أردني مسيّس قالها بكل بساطة أيضا لشباب الوفد الفلسطيني بتاع التهدئة والتنسيق «يا إخوان اللي مروح من العقبة ترى حوّارة مسكرة».
نابلس شيعت للتو 11 شهيدا من خيرة أبنائها، في مجزرة إسرائيلية عقدت قمة العقبة بعدها، ونابلس نفسها قالت للمؤتمرين بعد عملية حوّارة بأنها تفدي الوطن بالدم ولا تريد أن تصغي لتلك الأغنيات التي يرددها المستشار الدبلوماسي للرئيس الفلسطيني أو حتى وزير الخارجية الأردنية وغيره مع الاحترام للجميع.
لا أعرف بصورة محددة شخصيا ما الذي دار في ذهن الجناح أو التيار الذي يدفع باتجاه تورط المملكة عكس ثوابتها من بين المسؤولين حاليا. لكن بوضوح لا مصلحة للأردن في هذا التورط، ولا مصلحة لي كأردني بان تنضم مدينة العقبة الى مدينة شرم الشيخ في بيانات فصائل المقاومة والشعب الفلسطيني التي تندد وتعترض.
وقد لاحظ الجميع حجم الأدب واللياقة في بيانات الفصائل التي اعترضت على اجتماعات العقبة، وكانت تتجنب أي مفردة تسيء للشقيق الأردني وتجرحه وتركز على خطاب موجه للوفد الفلسطيني حصرا باعتباره لا يمثل بحضوره للعقبة مشاعر ومواقف واتجاهات الشعب الفلسطيني.
المؤسسات الرسمية في الأردن، ومنذ أكثر من ربع قرن، ثبت بالوجه القاطع عدم وجود آذان لها في الضفة الغربية، لا بل هي بعيدة تماما ولا تعلم شيئا عن جيل كامل من الشباب الفلسطيني ولد أصلا في ظل اتفاقية أوسلو
مجددا السؤال اللغز القديم: ما الذي يجعلني كأردني مضطرا لإضفاء الشرعية على شخصيات فلسطينية لا يريدها شعبها في الواقع العملي؟
لا نفهم الأساس الذي تتحرك بموجبه الدبلوماسية الأردنية، لكن ما نفهمه أن وزير الخارجية، وبحكم موقعه ووظيفته وبحسن نية، قد يكون أبرز المجتهدين لوجود بلاده على الطاولة.
لسنا بصدد توجيه اللوم لهذا الاجتهاد.
لكن البوصلة في المسار الخاطيء ولا أستطيع تسمية مكسب واحد فقط يعود على المؤسسات الأردنية التي نجلها ونحترمها جراء الاسترسال في عملية اختراق دبلوماسي وهمية على الأردن تعود بكوارث حيث ينبغي أن نحرص على أن لا تكون العقبة بأي صيغة ضمن تلك المدن التي ترد في بيانات شعب ضد الاحتلال يدفع ضريبة الدم ويتخلى عنه الجميع لكنهم يريدون حشر إسرائيل في أنفه وبطريقة مريبة يمكن أن تجازف بمصالح الأردن في المقابل.
نفهم بأن للحكومة حساباتها وتحالفاتها ومصالحها لكن لا نفهم أن تبقى معزولة حتى وهي تخطط وتحسب عن سياق عام وطني وأفقي واضح وملموس لا يحترم لا اتجاهات ولا مواقف الشعب الأردني. قد نعذر المسترسلين في خط التكيف مع الإسرائيلي والأمريكي. لكن هذا العذر تنتفي شرعيته عندما يمس بالهوية الوطنية أو بالدولة الأردنية مباشرة، الأمر الذي يحتاج ليقظة وإعادة الحسابات لا بل مراجعة العقائد التي تحكم مثل هذه الاندفاعات البراغماتية المقيتة على حساب الثابت والتاريخ والجغرافيا.
الانخراط في الترتيبات الأمنية مسألة حساسة للأردن خلافا للولايات المتحدة ومصر والفلسطينيين وتقديم حاضنة لاجتماعات تنسيقية أمنية ـ سياسية من الطراز الذي يوجه له شباب حوّارة رسالة مسألة حساسة أكثر.
لا مصلحة للأردن في معاكسة خط واتجاه قرره شباب فلسطين ليس للدفاع عن وطنهم لا بل عن دمائهم وأعراضهم وأرواحهم أيضا. وإذا كان الطاقم البراغماتي الأردني صاحب سيناريو التواجد على الطاولات لا يعرف ذلك لأنه لا يتزود بالمعلومات الميدانية فتلك مصيبة في الحسابات.
لا مصلحة لنا كأردنيين إطلاقا بالاجتماع الذي حمل اسم العقبة للأسف لأن من اجتمعنا بهم بغرض تحقيق اختراق هم الذين اخترقونا بعد توفير أرضية تبرر جرائمهم التي لا ولن تتوقف. نفهم أن نسير ببطء وتدرّج نحو التعايش مع الإبراهيميات. لكن مؤسف جدا وللغاية أن يقرر سياسيون أردنيون الهرولة نحو الكمين والمطب وبحماس لا معنى له بعد مراحل من «التحفظ».