اراء و مقالات

أضواء على أداء الطاقم الوزاري في الأردن: القصر والأعيان في «الملاحظة والتشريح»

عمان ـ «القدس العربي»: عملياً، لا يستطيع أي رئيس حكومة في الأردن، بصرف النظر عن هويته وطاقمه، رفع مستوى الإنتاجية في ظل أزمة مالية وأخرى إقليمية ملتهبة.
وعملياً، ينبغي لأي حكومة تتحرك ضمن ميزانية مالية متقشفة ووضع اقتصادي ومعيشي معقد وسيناريوهات إقليمية مفتوحة الاحتمالات، التركيز على قطاعات وملفات محددة يمكن النجاح أو تحقيق نسبة منه فيها.
في المقابل، صحيح أنه لا مؤشرات على تغيير وزاري وشيك في الأردن. وصحيح أن الحكومة في ظل تركيبتها الوزارية الاقتصادية الحالية، قد يكون من الصعب عليها أن تعبر عامها الرابع، خصوصاً في ظل أجواء التمهيد لانتخابات برلمانية توصف بأنها في غاية الأهمية قبل نهاية العام الحالي 2024. ويعلم الفرقاء في الأردن أن الحكومات القائمة لم يعد مطلوباً منها الانشغال بالملفات الخارجية والإقليمية والسيادية.
ويصر عضو البرلمان الخبير الاقتصادي الدكتور خير أبو صعليك، على أن الحكومة الحالية محظوظة للغاية، لأن لديها وثائق مرجعية تحظى بالتوافق في مجالات الإصلاح السياسي والاقتصادي والإداري. والمطلوب من طاقم الوزارة دوماً هو الإنجاز والإنتاجية والعمل الإجرائي، وهي قاعدة عمل -برأي أبو صعليك- تنسحب على حكومات المستقبل أيضاً؛ لأن المسارات مقرة مرجعياً ووطنياً.

ضعف التواصل الميداني

بالتوازي، الهوس في تحضيرات الأحزاب والانتخابات في الأردن دفع في اتجاه وضع الحكومة الحالية على طاولة التشريح في الملاحظة والنقد من أكثر من طرف وجهة، وإن وجود الأداء الحكومي برمته تحت مجهر التقييم والتشخيص دفع مرحلياً في اتجاه ملاحظات مرجعية تصويبية وأخرى نقدية إلى حد ملموس من داخل الدولة هذه المرة وليس من الشارع.
ليس صحيحاً القول إن رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة، الذي احتفلت حكومته مؤخراً بإنجاز ما تقول إنه أكثر من 80 ٪ من المطلوب في مسار التحديث الاقتصادي، ينبغي أن يتجاهل ملاحظات على أداء الوزراء بدأت تقال هنا وهناك.
وليس صحيحاً أن الملاحظات الثلاثية التي يتقدم بها باجتماع خاص مع الحكومة رئيس مجلس الأعيان فيصل الفايز، هي من الصنف الذي يمكن تجاهله أيضاً؛ فالرئيس الفايز يترأس سلطة التشريع، ولا توجد أغراض ذاتية أو شخصية في تشخيص ملاحظاته بكل تأكيد. وعندما اجتمعت «القدس العربي» به، بقي مصراً على وجود فائض من مساحة العمل، والإنجاز لا بد من التركيز عليه ولو من باب الفرص التي تتيحها الرؤية الملكية في كل المساحات داخلياً وخارجياً.
الفايز هنا تحد ث عن ضرورة توسيع نطاق خطة الحكومة في العمل الميداني مع الناس، ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، والتركيز على تطوير الخدمات، ومنح الملف الزراعي ما يستحقه من الانشغال واهتمام.
لكن ضمن سياق قبة مجلس الأعيان، وجه الفايز الذي لا يراوغ في التعبير عن فهمه، للمصلحة الوطنية ملاحظات صنفها بعض المراقبين بأنها خشنة قليلاً للحكومة، لكن تلك الخشونة إن كانت موجودة أصلاً فإنها تنطوي على رسالة لفت نظر ينبغي أن تتوقف عندها الحكومة وتعيد تقييمها رئاسة الوزراء.
ما أشارت إليه مؤسسة الأعيان هي ملاحظات محددة عن ضعف التواصل الميداني لبعض الوزراء مع المواطنين، وعن غياب ملموس للانسجام والتناغم بين أجنحة الفريق الوزاري، وعن عدم وجود قناعة لدى مؤسسة الأعيان بأن الحكومة الحالية تطبق وتستثمر في الرؤية الملكية.
قيلت الملاحظات على هامش دراسة مجلس الأعيان لأداء الميزانية المالية. وأحد أعضاء مجلس النواب همس في أذن «القدس العربي» قائلاً إن مشروع الموازنة المالية خضع لتشريح غير مألوف وغير مسبوق من جهة اللجنة المختصة في الأعيان، وإن ما أنجزته في تقييم الميزانية تلك اللجنة أشبه ببيان وزاري جديد.

خياران أمام الحكومة

في كل حال، أمام رئاسة الحكومة خياران؛ إما الوقوف عند تفسير متسرع لملاحظات شخصيات معينة وتغليف وتعليب هذه الملاحظات في إطار من الشخصنة، أو التعامل معها بجدية باعتبارها مؤسسية ومن جهة المجلس الملكي المؤتمن على الملاحظة والتفاصيل.
الخيار الثاني هو الأسلم سياسياً بكل حال؛ لأن النقص في تناغم الفريق الاقتصادي واضح وعلني في الحكومة، ولأن وزيراً واحداً في الطاقم تقريباً من وزراء الخدمات، يرصده المختصون في الميدان المباشر، وهو وزير الصناعة والتجارة يوسف الشمالي، ومعه زير السياحة مكرم القيسي. دون ذلك، وسياسياً، يمكن المقاربة بين الملاحظات التي سجلها على الحكومة بجرأة أركان في مجلس الأعيان وبين ما سمعه الخبراء والضيوف علناً في التقييم الملكي المباشر على هامش اجتماع لاستعراض منجزات الرؤية الاقتصادية قبل عدة أيام، فقد أصغى الجميع للملاحظات الملكية وهي تطالب الوزراء بالنزول إلى الميدان والتحدث مع الجمهور مباشرة، وبزيارة بعضهم بعضاً، ورفع مستوى التناغم في إطار العمل الجماعي. تلك توجيهات قيلت طبعاً بلباقة شديدة وتنطوي على رسالة ضمنية بالرغبة في بقاء منطقة دعم الحكومة.
لكنها تقريباً نفس الملاحظات التي تتقدم بها مؤسسة الأعيان، فيما تغيب مؤسسة النواب عن كل مسارات الرقابة على السلطة التنفيذية.
ولذلك، ينبغي التوقف والتأمل وعدم التورط في شخصنة الملاحظات النقدية، والملاحظات التوجيهية المرجعية تعني ضمناً أن مستوى العمل الميداني للوزراء، والتواصل بينهم ليس في المنسوب المرضي عنه بعد.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى