«ضربات عمياء» لمصالح الأردن تشمل «الوصاية» وخططاً معادية تستهدف الصادرات
بن غفير يرعى الاعتداءات على المسجد الأقصى… فهل تؤثر «إبر التخدير» الأمريكية؟
عمان ـ «القدس العربي»: بعد عودته من طهران مباشرة، وصف وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، حكومة بنيامين نتنياهو بـ»يمينية متطرفة ترتكب جرائم وحشية».
لاحقاً وقبل أقل من 48 ساعة، جهة ما في حكومة اليمين تلك تقرر معاقبة الأردنيين بطريقة غير مباشرة، فيبرز مستجدان أساسيان في المشهد:
الأول، رعاية جديدة من إيتمار بن غفير لمستوطنين يلوثون حرم المسجد الأقصى نكاية بطاقم الأوقاف الأردني، الذي يدير الوصاية مع تعليمات من عمان بالصبر والهدوء وضبط النفس.
في المستجد الثاني إسرائيلياً «ضربة عمياء» جديدة، وفكرتها المختلقة تماماً بالمناسبة، وفقاً للخبير الزراعي أحمد الحياري، وقف استيراد الخضار والفاكهة من الأردن لأنها تسقى من مياه نهر اليرموك الملوثة بالكوليرا.
ضربتان سريعتان من ذلك اليمين المتوحش.
لكن في الإطار البيروقراطي فقط، وبصيغة تنسجم مع ما اعتبره خبير سياسي واقتصادي كبير مثل الدكتور جواد العناني عندما قال لـ«القدس العربي» إن الجانب الإسرائيلي يدير العلاقة مع الأردن والمحيط على أساس القناعة بأن الدول العربية ينبغي أن تكون ممتنة لمجانين تل أبيب، فقط لأنهم لا يقصفون شعوب الدول العربية بالجوار.
بعيداً عما يقترحه العناني أو غيره، لا بد من التوقف أردنياً أمام حزمة تحرشات اليمين الإسرائيلي المؤذية، فخبراء الزراعة يعتبرون التلويح الإسرائيلي بمرض الكوليرا خطوة عدائية بامتياز، تخطط لضرب صادرات المملكة. الفكرة هنا أن الزراعة الأردنية لا تعتمد على حوض نهر اليرموك، لكنها مهتمة جداً بالصادرات للخليج.
بالتالي، تكذب المستوطنات بوضوح، والأغرب أن تتبنى حكومة نتنياهو مثل هذا الافتراء الزراعي المؤذي ببرود شديد. ويثبت مرة أخرى تلك القراءة الخلاصة التي تقدم بها أمام «القدس العربي» يوماً مفاوض بارز وخبير هو الدكتور دريد المحاسنة، المؤمن بأن إسرائيل في زمن السلام كانت تماطل ولا تلتزم بأي اتفاق، فما بالكم بزمن المواجهة والحرب والاستهداف؟
لا إجابة عن السؤال
اللافت هنا أنه بعد أزمة حكومة نتنياهو مع الصادرات التركية، كانت الخضار الأردنية أو التي يمكن تصديرها من بعض السماسرة والتجار للكيان، بمثابة المصدر الوحيد.
وطالما اتهمت حكومة الأردن جزافاً من شعبها وأحزابه بما يسمى بتدشين الجسر البري، بمعنى نقل البضائع والمنتجات – خلافاً لمشاعر الشعب الأردني ومواقفه – إلى إسرائيل بحجة أن وزارة الزراعة لا تملك قانونياً صلاحية منع التصدير.
حتى اللحظة، في الواقع، لا رواية بيروقراطية تجيب عن السؤال: لماذا تقرر حكومة المستوطنين -كما وصفها علناً عدة مرات عضو الكنيست أيمن عودة- الشغب أو التشويش على المياه والخضراوات الأردنية؟
بن غفير يرعى الاعتداءات على المسجد الأقصى… فهل تؤثر «إبر التخدير» الأمريكية؟
مع غياب تفسير بيروقراطي أو إداري لفكرة تلوث نهر اليرموك بالكوليرا وفكرة وقف تصدير أو استيراد المنتجات الزراعية الأردنية، لا بد من الاستسلام لتلك النظرية التي يفترضها كبار المزارعين والقائلة بـ «مؤامرة صهيونية على الصادرات الأردنية».
ذلك -إن كان حقاً ما يحصل- بمثابة إعلان حرب على الاقتصاد الأردني في توقيت حرج وحساس، ولا يوازيه في العداء إلا الاستمرار في المستجد الثاني على استهداف وتقويض الوصاية والدور الأردني في القدس والمسجد الأقصى.
ما يحصل في القدس مع الخضار والطماطم الأردنية إنما يعيد النخبة السياسية التي تناور وتحاور إلى مفارقات الانقلاب الإسرائيلي الذي لم يعد موسمياً، بل يومياً على مصالح الأردن، ويعيد الأمور أيضاً إلى نصاب تلك الإجراءات التي تتخذ ضد حكومة الأردن بسبب موقف القيادة الأردنية من الثوابت في القضية الفلسطينية، الأمر الذي يدعو إلى وقفة تأمل في توجيه اتهامات بدون مبرر للموقف الرسمي، وأيضاً حتى إلى وقف اعتبارات التشكيك التي اضطر الوزير لصفدي أمس الأول للاعتراض علناً عليها.
يقول مسؤولون أردنيون إن الاتصالات والعلاقات أو ما تبقى منهما مع الكيان، لا تدار لا مع الحكومة الحالية بقيادة نتنياهو ولا مع أركان المستوطنين، بل تدار مع شركاء محتملين أو أصدقاء قدامى في الدولة العميقة الإسرائيلية التي تعرف مصالحها وتدرك نتائج إيذاء الأردن بأي صيغة، فيما جزء من المصالح الأساسية والتوازنات يديره ويضمنه الأمريكيون عن بعد.
قد يكون ذلك صحيحاً ودقيقاً، لكن بعض الوقائع البيروقراطية على الأرض بدأت تثبت أن تراثيات التفاهم الضمني تلك لم تضمن في الواقع العملي وقف المساس بالقدس والمسجد الأقصى حصراً، ولم تضمن حتى الآن على الأقل أي نتائج مرتبطة بأن لا تعتدي حكومة الاستيطان على صادرات البندورة والخضار وتحاول تشويهها في بلد يعرف الخبراء المختصون في العالم معاييره الشديدة في البيئة الزراعية وضد التلوث، فيما الجار الإسرائيلي يلوث يومياً في منطقة الأغوار بيئة الأراضي الزراعية بتوطين تربية زرائب الخنازير، كما تسبب بتلويث وتجفيف ما تبقى من مياه نهر الأردن.
انقلاب… ولا ضمانات
إسرائيل اليمينية بهذا المعنى، تفعل حقاً ما تشاء وتقدم الأدلة والبرهان على أنها قابلة إدارياً وبيروقراطياً على الانقلاب في أي وقت ضد أي مصلحة أردنية أساسية بدون خشية من التكلفة، فيما يضخ رموز بقايا الدولة العميقة من الكيان والأصدقاء الأمريكيين في جسد بيروقراط الأردن «إبرة تخدير» تلو الأخرى كلما اشتكى أو صاح ذلك الجسد من تحرش أو فتنة أو مصدرها نتنياهو وطاقمه.
حتى الجسر البري إياه الذي دفعت ثمنه شعبياً الحكومة، فضحه إعلام المستوطنات الإسرائيلي وانقلب عليه بقصة الكوليرا التي لا أساس لها إطلاقاً في الأردن ومؤسساته.
قبل ذلك، خطر في ذهن الذراع البيروقراطي التابع لنتنياهو في قطاع المياه أن يوصي بقطع المياه يوماً عن الأردن بسبب مواقفه السياسية والدبلوماسية.
هنا خوطب الأمريكيون فتدخلوا أيضاً في مسألة جزئية إدارياً، عنوانها اتفاق مسبق أصلاً على حصة المياه.
لا الأمريكيون ولا رموز المؤسستين العسكرية والأمنية للكيان، قادرون فعلاً على لي ذراع البيروقراط الإسرائيلي اليميني الذي يتحرش بالأردن بسبب أو بدونه بين الحين والآخر.
ولا يوجد ما يضمن في الواقع السياسي ضمن موازين القوى أن يطور هذا البيروقراط الحاكم تجاهلاته واستهدافاته ويتجنب اختراع أي افتراء فني لقطع واردات الغاز إلى الأردن، ما يعني تعطيل وعرقلة ورفع استثنائي لكلفة الطاقة إذا حصل، وأيضاً من العودة لطرح صيغة سؤال افتراضية استفهامية تظهر حجم الخطأ الاستراتيجي الذي ركبت موجته حكومة سابقة عندما تورطت في كمين توقيع اتفاقية الغاز مع الكيان.