اراء و مقالات

ارتباك في تصنيفات «الأحزاب الأردنية»: «إخواني» أو قريب من «الحراك» والأهم «محافظ» أم «ليبرالي»؟

عمان – «القدس العربي»: بات في حكم المرجح أن إدارة ملف تحديث المنظومة الحزبية في الأردن بناء على قواعد معلبة سابقة قوامها فكرة العمل على إقصاء بعض الأحزاب المصنفة باعتبارها خشنة ثم مناطحة الإخوان المسلمين حصراً وتقليص حضور تعبيراتهم الحزبية، لا يشكل قواعد عمل “حكيمة وناضجة” يمكنها أن ترفع فعلاً من منسوب إطلاق “الحريات الحزبية”.
الثابت اليوم أن الاسترسال في التصنيفات وبقاء هواجس الخوف من التيار الإسلامي لم يعد منتجاً، وقد يؤدي إلى نتائج سلبية في تمرير توصيات وثيقة تحديث المنظومة السياسية في البلاد والعبور منها إلى خارطة أحزاب برامجية حقيقية تعرف ما هو المطلوب منها وتمهد الطريق للوصول إلى معادلة برلمان حزبي بالكامل بعد 9 سنوات، قد يعقبه تشكيل حكومة حزبية في البلاد ولأول مرة تقريباً منذ أكثر من 60 عاماً.
تريد دوائر القرار المركزي العودة إلى تجربة الخمسينيات في الماضي لكن بشروط. ومع قيود جديدة هذه المرة تم تحصينها برفقة ضمانات عبر تعديلات دستورية شهيرة ومع وجود مجلس الأمن القومي الذي لم يتم تشكيله بعد، يمكن الافتراض بأن مخاطر تسليم البرلمان أو الحكومات لأحزاب المستقبل في عملية متدرجة خلال تسع سنوات هي الأقل حتى هذه اللحظة.
رغم ذلك، يبدو أن وجهات نظر عدة في السياق الرسمي تحديداً تتقاذف مشروع تحديث المنظومة وتؤثر على التفصيلات، وبالنتيجة ستؤدي إلى التأثير على المخرجات لاحقاً في بعض الجوانب التي يرى عضو مجلس الأعيان خالد البكار أن “السيطرة عليها” ممكنة في حال توفر حسن النوايا، معتقداً بأن “نضج التجربة” سيساهم في صقلها وتطويرها وتنقية الشوائب منها.
يفهم من ذلك بأن وجهات النظر أحياناً تتصارع في المستوى الإجرائي والتنفيذي حيث الحملة مستمرة رسمياً على حزب الشراكة والإنقاذ باعتباره حزباً خشناً أو يتصرف في ضوء الغضب، كما أفتى أمام “القدس العربي” مسؤول بارز في مؤسسات القرار التنفيذية وهو يحاول تفسير ظاهرة الملاحقة التي يتعرض لها نشطاء حزب الإنقاذ بالميول الإسلامية تحديداً.
وهو حزب ينظر له المجتمع باحترام الآن والسلطات بارتياب، أسسه عملياً كل من وزير العدل الأسبق فقيه الدستور البارز الدكتور محمد الحموري، بمعية المراقب العام السابق لجماعه الإخوان المسلمين الشيخ سالم الفلاحات.
آخر أنباء حزب الإنقاذ والشراكة تشير إلى أنه تمكن من تحقيق النصاب الذي يحتاجه تصويب وضعه بموجب القانون، ورئيس الهيئة المستقلة لإدارة الانتخابات موسى معايطة قال في حديث لـ”القدس العربي” إنه لا يملك إلا تسجيل الحزب وتوثيقه إذا ما تقدم بالوثائق القانونية الأصولية المطلوبة.
والحقوقي الناشط والبارز عاصم العمري، يعيد التحذير من أن التدخل بالحريات الحزبية بعد إطلاقها مظهر لا يقف عند حدود السلبية، بل قد يعكس نمطاً من العبث غير المحمود في التفاصيل بعد هندسة عانت منها الدولة قبل الناس، ومن ثم يحذر العمري من استمرار المعاناة ما لم يستدرك أصحاب القرار.
العمري الذي تناقشت معه “القدس العربي” مؤخراً بعدة ملفات، يضم صوته للقائلين بضرورة إظهار جدية حقيقية عندما يتعلق الأمر بتجهيز البلاد والعباد لمرحلة الحريات الحزبية، معبراً عن مشاعره وانطباعاته السلبية لأن الإشارات المضادة للحرية الحقيقية سواء في مجالات التعبير أو الحريات العامة أو عندما يتعلق الأمر باعتقال تعسفي للنشطاء وأصحاب الرأي، هي مؤشرات لا تتفق لا مع ما يقال للأردنيين في نصوص ومضمون ومحتوى مشروع تحديث المنظومة السياسية في البلاد، ولا مع الحالة التي تفترض بأن دوائر القرار حسمت فعلاً الاتجاه والمسير وتتوافق على ما تم الاتفاق عليه.
ازدواجية ملموسة في الموقف من حيث التدخل أحياناً في العمل الحزبي والتضييق على حريات بعض الحزبيين وتسهيل أمور حزبيين آخرين في رأي العمري، هي وصفة نحو إظهار عدم الجدية. ولذلك، يجدر التنويه، وتجدر الإشارة إلى أن مثل هذا الفصام لم يعد صحياً ويؤذي الدولة والوطن قبل إيذاء الأحزاب.
على جبهة موازية تتزاحم التصورات الرسمية بأكثر من صورة، فالتدخلات في حزب الشراكة والإنقاذ وبصورة أخف في حزب جبهة العمل الإسلامي وقبل ذلك إشكالية نقابة المعلمين، كلها عناصر تساهم في انعكاس انطباع سلبي عن مجمل ملف إطلاق الحريات الحزبية. وما يرد من تفصيلات في بعض الجزئيات يشير إلى أن الأحزاب بالنسبة إلى السلطات البيروقراطية منقسمة إلى صنفين حتى الآن. الأول يدور في فلك الحركة الإسلامية والإخوان المسلمين والحراك الشعبي على نحو أو آخر؛ بمعنى البرمجة على أساس مواجهة نفوذ المشار إليهم هنا وحضورهم في الأوساط المجتمعة وإعماقه. والصنف الثاني يمثل أحزاب الوسط المألوفة الوادعة سياسياً والقريبة في النص والمحتوى دوماً من الأجندة الرسمية. لافت جداً للنظر تصنيفات من طراز آخر في مواقع قرار أخرى تقسم الأحزاب ما بين ليبرالية ومنفتحة في البرنامج الاجتماعي، ثم محافظة مختلفة النكهات والألوان.
والتصنيف الأخير هو على أساس الموقف من المسائل الاجتماعية المثيرة للجدل، مثل حقوق المرأة والطفل والشباب، والانفتاح الثقافي. وهنا يبرز أن كل التعبيرات الإسلامية وبعض الوسطية قد تشارك الإسلاميين في عمق تلك التصنيفات ما بين “ليبراليين ومحافظين” فقط. عملياً، لا يبدو أن هذه التصنيفات مستقرة أفقياً في الخريطة الرسمية، ولذلك تظهر مشكلات بين الحين والآخر هنا أو هناك.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى