الأردن في ما يستجد من مخاطر: الأغوار أولا ولحظة الاصطدام مع «ذئب اليمين» اقتربت
دوائر القرار الأردنية تعاني الآن من مسألتين أساسيتين في الوقت الذي يتبادر فيه لذهن السياسيين الحديث عن أزمة العلاقة العميقة بين الأردن وخيارات اليمين الإسرائيلي.

عمان ـ «القدس العربي»: لا يمكن توقع اللحظة التي يمكن أن تصطدم فيها المصالح الأردنية وتحديدا الأمنية والحدودية المباشرة باستراتيجية الذئب الإسرائيلي بعد ما دخلت حكومة تل أبيب اليمينية المتشددة في استراتيجية «التوسع والحسم والتصفية».
يمضي اليمين الإسرائيلي بخططه على حساب مصالح دول الجوار مستثمرا تواطؤ الحليف الأمريكي وسط استمرار القناعة التي يعبر عنها المحلل السياسي الأمريكي الفلسطيني الدكتور سنان شقديح وهو ينصح الأردنيين بأن الرئيس ترامب كان ولا يزال «خارج التوقع» وأولويته «عقد صفقات» مع «الأقوياء» وتجاهل مع تجاوز «الضعفاء».
ذلك التواطؤ المحرج بين تل أبيب وواشنطن يضرب كل الأوتار والأعصاب الحساسة في مؤسسات القرار الأردنية وبصيغة تظهر أكثر بأن الأخطار التي كانت وشيكة عندما يتعلق الأمر بأطماع اليمين الإسرائيلي بتصفية القضية الفلسطينية على حساب الأردن والأردنيين أصبحت مؤكدة ومرجحة وإجرائية بعد مراقبة المبالغات الدرامية للإعلام الإسرائيلي بعنوان نشاط تهريب الأسلحة عبر الأغوار الأردنية إلى الضفة الغربية.
يرى السياسي الدكتور ممدوح عبادي مجددا بأن المخاطر لم تعد مفترضة، بل تطرق الأبواب والنوافذ مقترحا تدشين استراتيجية وقاية لتجهيز الأردنيين للدفاع عن وطنهم وأنفسهم.
تلك قناعة لم تعد تنطوي على مبالغة بل يرددها سياسيون وخبراء كثر أبرزهم وزير البلاط الأسبق الدكتور مروان المعشر أول من حذر من أن القوم الذين يحكمون تل أبيب اليوم يؤمنون بتصفية القضية الفلسطينية على حساب الأردن.
ذلك لا معنى له وفقا لأغلب الترجيحات إلا «تغيير الوضعية» في منطقة الأغوار وفرض أجندة مستجدة ضاغطة على الحدود الأردنية تعيد التعامل مع المملكة باعتبارها جغرافيا تستوعب السكان فقط من ضحايا مشروع الذئب الإسرائيلي.
إسرائيل التي خبرها الأردنيون رسميا منذ 30 عاما وأكثر تغيرت وتبدلت وهي مقولة كان قد تحدث عنها في وقت مبكر وبحضور «القدس العربي» المعشر عندما قال إن دوائر صناعة القرار يتوجب عليها أن تفهم تماما الآن بإن إسرائيل التي وقعت معها اتفاقية وادي عربة لم تعد تلك الإسرائيل، والحالية انقلبت على ذاتها وعلى عملية السلام وعلى معاهدات السلام وعلى الأردن والشعب الفلسطيني معا.
مقاربة المعشر قيلت وذكرت في ندوة عامة أيضا منذ عامين تقريبا. والمعنى هنا أن التقييم الخبير بأن اليمين الإسرائيلي ينقلب على الجميع سبق حتى يوم 7 أكتوبر وتداعيات معركة طوفان الأقصى. بالتالي جاءت المعركة الأخيرة لتعيد إنتاج تساؤلات الأردنيين العامة تحت بند ما يستجد من مخاطر وليس من أعمال.
لعل دوائر القرار الأردنية تعاني الآن من مسألتين أساسيتين في الوقت الذي يتبادر فيه لذهن السياسيين الحديث عن أزمة العلاقة العميقة بين الأردن وخيارات اليمين الإسرائيلي.
في الجزء الأول تحالف واضح وملموس ويلقي بظلاله الثقيلة بين اليمين الإسرائيلي ومؤسسة اليمين الأمريكية الحليفة الصديقة التي كانت عمان طوال الوقت تراهن عليها لإحداث اعتدال في المزاج الإسرائيلي.
تجلى ذلك في الاحتكاك الأخير مع الرئيس دونالد ترامب بعد أفكاره غير الواقعية عن تهجير الفلسطينيين من أبناء قطاع غزة إلى الأردن ومصر، وهي أفكار اشتبك معها الأردن الرسمي بحزم وقوة لأنها سرعان ما ستنعكس على فكرة تهجير أبناء الضفة الغربية أيضا، الأمر الذي يدخل الأردن لو حصل في حالة من الاضطراب الأمني الداخلي ثم اضطراب الأمن الإقليمي بصورة غير متوقعة مع أن الرئيس ترامب وطاقمه ينفيان ذلك طوال الوقت.
في التطور اللافت الثاني لم يقف المشهد عند حدود منطق عداء اليمين الإسرائيلي ولا أيضا عند حدود وجود يمين أمريكي يوفر له الغطاء.
الدولة الأردنية تفتقد تماما للعناصر التي كانت تحرس بالماضي مستوى «الشراكة» تحت عناوين العمق الإسرائيلي، حيث كانت بعض الدوائر العميقة في المنظومتين العسكرية والأمنية الإسرائيلية تلعب دورا في إظهار الاحترام لمصالح الأردن بين الحين والآخر وفي بعض مؤشرات التنسيق على أساس الشراكة التي أعقبت كمفهوم الجانبين والمنطقة إثر توقيع اتفاقية وادي عربة عام 1994.
الدولة العميقة زحف لها اليمين الإسرائيلي والتهمها تماما، والمنظومة العسكرية والأمنية أيضا سيطر عليهما في الجانب الإسرائيلي بكل التفاصيل إيقاع صندوق الانتخابات ونتائجها والوزراء المتطرفون مثل بن غفير وسيموتريتش وغيرهما وهم أكثر تأثيرا من الجيش والموساد الآن في الكيان الإسرائيلي.
وهذا وضع جديد ومستجدات تماما ليست من الصنف الذي اعتاد الأردن على التعامل معه.
والانطباع المباشر في تراكم المخاطر الحقيقية والميدانية الأردنية مرتبط الآن بما تبقى من قدرات لدى منظومتي العمق في الكيان في إحباط أو تأجيل مشاريع اليمين الإسرائيلي على أكتاف الحدود مع المملكة، حيث الجدار والأغوار ومسلسل أكاذيب تهريب الأسلحة وحيث أجندة ستدفع حقا الأردن إلى أقصى مساحات الشعور بالمخاطر التي لم تعد مفترضة برأي القطب البرلماني صالح عرموطي.