اراء و مقالات

الأردن: كيف «كسب الجميع» من جمعة محاولة «شيطنة الحراك الشعبي»؟

الملتقى الشعبي لنصرة المقاومة والإخوان… «خطوة تنظيم»

عمان ـ «القدس العربي»: يمكن للملاحظين السياسيين ببساطة رصد انخفاض ملموس ونسبي في زخم المظاهرات والاحتجاجات في منطقة ضاحية الرابية وسط العاصمة الأردنية عمان.
خلال اليومين الماضيين استمر التظاهر بفعالية لكن بصيغة أقل صخباً بعد حملة داخلية وأخرى من دول مجاورة في الإقليم استهدفت الحراك الشعبي وبعد محاولات لشيطنة هذا الحراك، وبرزت مجدداً ظاهرة إصدار بيانات الإجماع المناطقية والعشائرية باسم عدة مناطق وقبائل تظهر الدعم الشعبي للموقف الرسمي والملكي الأردني.
وتضمنت البيانات العشائرية والمناطقية صياغات وعبارات تحذر من انفلات مظاهر الاحتجاج والتعبير في الشارع الأردني، لا بل توجه اللوم بصورة غير مباشرة أحياناً لجماعة الإخوان المسلمين المحلية وأحياناً أخرى لأطراف في المقاومة الفلسطينية تحت عناوين التمييز ما بين التضامن مع أهل غزة والسعي في المقابل لإفساد الوضع في الداخل الأردني.
تلك الصياغات في بيانات الولاء وإن كانت انطوت على مبالغات لا ضرورة لها إطلاقاً وفقا للعديد من السياسيين، فإنها قدمت مساهمة فيما يمكن وصفه بخطوات تنظيم تعيد الحسابات وتساهم في تخفيف الجدل الشعبي وبصور مسؤولة أيضاً من جهة قوى الملتقى الشعبي لنصرة المقاومة.
عملياً، وحتى مساء السبت بعد صلاة التراويح، استمر آلاف الأردنيين بالتواجد في اعتصام منطقة الرابية ضمن مشروع ما يسمى بمحاصرة سفارة الكيان الإسرائيلي، وبقيت هذه التظاهرات جماهيرية وصاخبة وصوتها مرتفع، وتحظى بتغطية إعلامية رفيعة المستوى عربياً ودولياً حتى مساء أمس.
لكن خلال الليلتين الماضيتين، خف الزخم الجماهيري قليلاً، لكن الاحتجاجات استمرت لليوم 14 ومرجحة للاستمرار خلال أيام عطلة العيد أيضاً وإن كان بصخب أقل. حالة تجاوب تكتيكية ميدانية رصدت من الحركة الإسلامية بالمقابل، التي نشرت مقالات متعددة تتهمها بتأليب الشارع. لكن الحركة تجنبت الرد والتعليق وتركت ميكروفون رفض محاولات شيطنة الحراك الشعبي والتي دخلت على خطوطها بعض الدول العربية المجاورة بين يدي مؤسسة الملتقى الشعبي لنصرة المقاومة.
وتجنب حزب جبهة العمل الإسلامي في خطوة تكتيكية وتنظيمية سياسية فيما يبدو التعامل بصيغة الرد المباشر على الاتهامات التي وجهت له بعنوان «انحراف وانجراف التظاهرات» وكذلك تجنب الرد على الرسائل التي حاولت المبالغة والتضخيم في سلبيات الحراك وانعكاساته على الوضع الداخلي.

الملتقى الشعبي لنصرة المقاومة والإخوان… «خطوة تنظيم»

وكان رئيس مجلس الأعيان فيصل الفايز، أبرز شخصية في هرم المؤسسة وجهت ما وصفه تنبيهاً مباشراً لقادة الحركة الإسلامية والمقاومة بعناوين التحرير من اللعب لأسباب جماهيرية بمعادلات التعبير والحراك الشعبي في الأردن.

اتهام مشعل

وجه الفايز اللوم علناً للقيادي في حركة حماس خالد مشعل، واتهمه بتأليب الشارع الأردني، كما اشار إلى ضرورة أن ينتبه التيار الإسلامي؛ لأن الوقوف ضد العدوان في غزة لا يتضمن المزاودة على الموقف الشعبي الرسمي الأردني، ولا على جهود القيادة الأردنية.
تلك التحذيرات تزامنت مع سلسلة مقالات وبيانات مناطقية بدأت تستدعي حالات انقسامية في المجتمع وتسترسل في توزيع الاتهامات مرة لرموز المقاومة وأخرى لقيادات الحركة الإسلامية، في الوقت الذي نشرت فيه المزيد من التقييمات الفنية والتقنية لمحاولات تحريك وإثارة بلبلة في المجتمع الأردني بترتيب من ما يسمى بوحدة الاستخبارات الإسرائيلية 8200. شخصيات بارزة حذرت من دور الوحدة الاستخبارية الإسرائيلية في حرف البوصلة في الأردن، ومن بيها المعارض محمد خلف الحديد، وشخصيات تقنية متعددة تحدثت بالمقابل عن تحقيقات إلكترونية أثبتت وجود جهد إسرائيلي على التواصل لإثارة نقاشات وجدل بعناوين الحراك الشعبي الأردني.
الوزير والبرلماني السابق بخبرة طويلة الدكتور محمد الحلايقة، حذر في رسالة خاصة حصلت عليها «القدس العربي» بعض السياسيين الكبار من المساهمة السلبية في إثارة نقاش غير مبرر يدعم أو يؤذي وحدة الأردنيين في سياق الموقفين الشعبي والرسمي، وأشار الحلايقة في الأثناء إلى تلك التقارير التي تتحدث عن توثيق ما خططت له الوحدة 8200.
وشرح لاحقاً لـ «القدس العربي» وجهة نظره القائلة إن الشعب والقيادة في الأردن في الوقف نفسه ضد العدوان الإسرائيلي، محذراً بعض السياسيين من المساهمة في جدل لا مبرر له، ومؤكداً استهجانه لجرعات التحريض العالية ضد حراكات الأردنيين في وقت تعيش فيه الجبهة الداخلي أفضل أوضاعها.
جدد الحلايقة أيضاً في تعليقه المفصلي قناعته بأن كل من يعارض العدوان الإسرائيلي الغاشم يتعامل مع الأمن والاستقرار في الأردن باعتباره عقيدة، ملمحاً إلى أن بعض من يدافعون عن الأردن بحسن نية قد ينتجون أجواء، البلاد بعيدة عنها بفضل الله وحكمة القيادة ووعي الشعب.
وقال أيضاً إن الأردن قوي وسيبقى، وأشار إلى بعض التهديدات والبيانات التي تحاول إشاعة أجواء من القلق يستغلها الذباب الإلكتروني في إسرائيل وغيرها.

مؤشرات التعقل

هذا الصنف من دعوات التعقل والرشد في دعوات النقاش العام خفف بالمقابل من حوارات التشنج التي ظهرت الأسبوع الماضي، وفيما أصبح برأي مراقبين إثارة نقاش يشغل الرأي العام بين الحين والآخر مجرد موضة تفتعلها بعض مراكز القوى، بدا أن الجملة السياسية والتكتيكية انضبطت أكثر عند قوى الحراك الشعبي في اليومين الأخيرين.
ظهرت مؤشرات الرشد والتعقل وتجنب الغوص في وحل مشروع شيطنة هذا الحراك، فيما ناقشت اجتماعات منسقة الملاحظات التي يمكن اعتبارها ذات مصداقية وينبغي تصويبها، بمعنى السيطرة أكثر على إيقاعات الهتافات وتجنب الاحتكاك برجال الأمن، والحرص أثناء التظاهر والاحتجاج على توسيع الحاضنة الشعبية وليس تقليصها أو إخافتها، مع الحرص بالتوازي على تنظيمات ميدانية لا توفر ذخيرة لدعاة الفتنة والانقسام أو للآراء المتشددة ضد الحراك الشعبي داخل أروقة القرار.
بالخلاصة، حالات الانضباط والرشد ردت بعقلانية بخطوات عميقة وملموسة على حملة تشويه الحراك الشعبي بصرف النظر عن هوية وخلفية رموز تلك الحملة.
تأثر الزخم الجماهيري قليلاً على مدار يومين، وكسب الحراكيون جولة في مقابل التحريض الجاهل المتسرع، وفي الأثناء تحققت خلف الستائر بعض المكاسب الدبلوماسية وانشغل الناس ببيانات هنا وهناك، جزء كبير منها لا مبرر له، فيما استرخت الحكومة قليلاً. كل ذلك حصل في إطار الاستدراك الذكي ومن عدة أطراف، لكن شعلة الحراك الشعبي الأردني قابلة للطي مؤقتاً والعودة بزخم للاشتعال مادام العدوان مستمراً.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى