الأردن: منطقة «القناعات» هي التي تصادمت مؤخراً والسبب «أطماع اليمين» الإسرائيلي

عمان- «القدس العربي»: حتى عندما تجمع بعض أعضاء كتلة جبهة العمل الإسلامي في البرلمان الأردني في ساحة برلمانهم لدعم وإسناد الموقف الملكي ضد خطط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في تهجير الفلسطينيين، وقفت بعض الأقلام والتعليقات والأصوات من داخل التيار الإسلامي تنتقد هذه المشاركة، ولا ترى أن مساندة الموقف الرسمي هنا بالانضمام إلى بقية الشعب الأردني في الترحيب بالموقف الملكي وإسناده هو من الأولويات.
رصدت ملاحظات على مجموعات التواصل الاجتماعي الخاصة بالإسلاميين، من بينها الإشارة إلى أن الحركة الإسلامية يجب ألا تكون مضطرة للتجاوب مع الحالة الاجتماعية والرسمية العامة تحت عناوين النفاق السياسي.
وهو تعبير استخدمه عملياً في التعليق قيادي بارز على مجموعة تفاعل، ما يعيد إنتاج الانطباع بأن الأولويات بالنسبة لقاعدة لا يستهان بها من الشباب في حراك الإسلاميين، ليست لصالح المشاركة السياسية، ولا حتى للاشتباك البرلماني، بل للاشتباك مع أطماع العدو الإسرائيلي بصفة خاصة، كما يصنف العديد من قادة الحركة الإسلامية.
والمعنى هنا أن قواعد عريضة في تيار الإسلام السياسي لا تزال تعتقد أو تتصور بأن الأولوية في الأردن يجب أن تكون معركة طوفان الأقصى، باعتبارها معركة أو مواجهة في تداعياتها امتداد متوقع وطبيعي إلى ملف المصالح الأردنية.
ضمن هذه المقاربة، لا يخفي الإسلاميون في حواراتهم الداخلية رغبتهم بأن ينتهي تصاعد الخطاب السياسي إلى مرحلة تؤدى إلى تشبيك الأيادي مع المقاومة الفلسطينية.
المعنى هنا أن قناعة قواعد الحركة الإسلامية والكثير في أوساط وأعماق المجتمع الأردني، لا تزال مؤمنة بأن أفضل طريقة لحماية الوطن الأردني الآن هي الانضمام والاشتباك مع العدو الإسرائيلي الموصوف بأنه طامع.
الخبير الاستراتيجي والعسكري الفريق قاصد محمود، يقر بوجود إطار اجتماعي عريض يؤمن بالمقاومة ويدعمها وسط الأردنيين، معبراً عن قناعته بأن على الحكومات أن تأخذ ذلك بالاعتبار وهي ترسم سياساتها، خصوصاً أن حضانة إسناد المقاومة لا تقف عند حدود أي تيارات سياسية محددة لذلك، وعند التيار الإسلامي حصراً، لأن محور الحراك الشعبي المناصر للمقاومة لم يعد بخطابات المشاركة السياسية والعمل البرلماني، لا بل حتى الانتخابات باتت من الملفات التي تغري أو تجذب قواعد شابة وعريضة من أنصار التيار الإسلامي.
يقر ذلك مراقبون كثر، بينهم الراصد الإلكتروني وليد حجاج، الذي تفيد خبرته بأن مستوى التفاعل على منصات التواصل بين الأردنيين على المذابح التي ترتكبها إسرائيل، يصل دوماً إلى الذروة، وهي ذروة انتهت بأغلبية برلمانية حصدها أنصار الطوفان من مرشحي الانتخابات الأردنية الأخيرة.
يقول حجاج: من ذبح الأطفال وأحرق النساء في قطاع غزة ويدخل الآن الدبابات العسكرية إلى مخيمات الضفة الغربية، بعد هذا ألا يأخذ باعتباره الاعتداء المباشر على المصالح والتراب الأردنيين؟
المقاربة هنا يجب أن تذهب باتجاهات الخطر أو التصرف على أساس وجود مخاطر من اليمين الإسرائيلي من الصنف الذي لا يمكن تجاهله في كل الأحوال.
وهي المقاربة التي تبدو منطقية أكثر في ظل الوقائع الموضوعية، خصوصاً بعدما أنتج الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كمية هائلة من الإحباط السياسي في عهدة الأردنيين بتحالفه مع اليمين الإسرائيلي، وباقتراحه سياسات التهجير، وبعدم لفت نظر الأردنيين إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية حليفهم وصديقهم التاريخي أو «الممول الأكبر»، كما توصف في أروقة الحكومة، يمكنها أن تردع أي خطة لاحقاً تنمو وتزحف تحت ستار تصفية القضية الفلسطينية على حساب الأردن والأردنيين.
أنتج الرئيس ترامب قلقاً وسط الأردنيين الذين شعروا أصلاً بمخاطر حقيقية بسبب طبيعة جريمة الإبادة التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي ضد أهالي قطاع غزة.
لاحقاً، وبسبب طبيعة الترتيبات التي يجريها الإسرائيلي الآن في تهجير مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في الضفة الغربية وفي تحريك الديموغرافيا، بدا أن سياسات ترامب تحفز أكثر مخاوف الأردنيين، وتعيد صياغة الولايات المتحدة من دور الصديق المعني باحتياجات الأردن ومصالحه إلى «داعم دموي» لإسرائيل لا تهمه مصالح الآخرين.
وهنا على الأرجح أحد مرابط الفرس في فهم رسائل التشويش، وأحياناً التأزيم، والتي طالت مؤخراً في المشهد السياسي الأردني العلاقة بين الحكومة والسلطات والحركة الإسلامية، التي ترى أوساطها أن استهداف التيار الإسلامي والاستجابة لدعوات تقليص حضور الإسلام السياسي لا يلغي الحقائق والوقائع الماثلة أمام الشعب الأردني، حيث «المخاطر» لا يمكن إنكارها، والهواجس لم يعد من الممكن تجاهلها حتى برأي سياسي كبير ومعتدل من وزن طاهر المصري.
بعض الإسلاميين تحركهم قناعة بأن «الوطن الأردني مستهدف» وبأن معركة طوفان الأقصى أردنية أيضاً.
بالمقابل، أوساط السلطة والقرار لا يمكنها شراء هذه المقولة أو حتى السماح بالتصرف على أساسها، مع الإقرار بوجود استهداف، فيما الخلاف على كيفية التصرف ودور الدولة في تأمين وحماية المواطنين والشعب، وليس دور التيارات السياسية.
بمعنى آخر وأخير، منطقة «القناعات» هي التي تصادم بعضها ضد بعض مؤخراً في المشهد السياسي الأردني.