اراء و مقالات

حنين شعبي أردني للابتهاج: كيف قرأت الدولة رسائل احتفالات الشارع بعيد الاستقلال وزفاف ولي العهد؟

عمان – «القدس العربي»: الانفعال الذي رصد بين الأردنيين وفي عمق الشارع والأزقة والأوتوسترادات وجبال عمان السبعة وفي الساحات العامة خلال اليومين الماضيين، قد يكون له ما يبرره في سياق استعدادات المواطنين والمؤسسات للاحتفال بزفاف ولي العهد الأمير الحسين بن عبد الله، وأيضاً في سياق تزامن هذه المناسبة التي يترقبها الشارع في كل الأحوال مع الاحتفال بذكرى عيد الاستقلال.
وعيد الاستقلال تحديداً جذب هذه المرة نقاشات حيوية على أكثر من صعيد بين النخب الأردنية وبين نشطاء النقابات المهنية. وعلى المستوى الشعبي وعبر منصات التواصل، تناول الأردنيون زاوية الاحتفالات في الشوارع بين قراءات متعددة.
لكن الأهم أن خروج مجاميع من الأردنيين محتفلين بعيد الاستقلال وزفاف أميرهم ولي العهد إلى الشوارع بشكل جماعي أو فردي أو حتى عائلي مع رفع أعلام الأردن والتسبب بزحام غير مسبوق عملياً، هو تعبير عن التوق والشوق الحقيقي لثبات وصلابة الدولة الأردنية، والتطلع إلى المستقبل في ظل المئوية الثالثة، كما قرأها كثير من الخبراء.
بعض الأردنيين عبروا عن انزعاجهم من مخالفات بالجملة للقوانين وتحديداً قوانين السير خلال مواكب الابتهاج والاحتفالات، لكن وجود مثل هذه المخالفات أمر طبيعي بسبب الزحام. وفي النهاية، تصرفت شرطة السير وفقاً للتعليمات القانونية واشتكى مواطنون من عشرات المخالفات. بوضوح شديد، عاكست بعض السيارات وهي ترفع الأعلام وصور الملك، الاتجاه العام وخالفت القانون. والشرطة المختصة لم تجامل أحداً، خالف القانون تحت عنوان الاحتفال سواء بزفاف ولي العهد أو حتى بعيد الاستقلال.
عموماً، نظر من عدة زوايا لتلك الابتهاجات، والأهم أنها تعبر -برأي مراقبين كثر- عن حنين الأردنيين لدولتهم والانطباع العام بأن لديهم إنجازاً وطنياً ومؤسساتياً ويريدون الحفاظ عليه.
وهنا برزت تلك الاحتفالات في قراءة الناشط النقابي الإسلامي أحمد زياد أبو غنيمة ومن زاوية أساسية، مشيراً إلى أن تعبير الأردنيين التلقائي والعفوي عن ابتهاجهم بعيد الاستقلال عبارة عن دين برقبة النظام والحكومة، وأن على النظام أن يسدد هذا الدين بعدما سلفه الشعب هذه الاحتفالات باعتبارها مبايعة جديدة وحرصاً وتأكيداً على ثوابت الأردنيين بخصوص مؤسسات دولتهم وبخصوص النظام بالرغم من كل ما يقال عن الحكومات والأطقم الوزارية.
طالب أبو غنيمة بسداد هذا الدين عبر إظهار الاحترام لهذا الشعب الذي يحتفل بعيد الاستقلال وبزفاف ولي عهد العائلة المالكة. والاحترام الذي يقصده الرجل على الأرجح هو العودة إلى دولة القانون والمؤسسات والتأشير على الإنصاف والصفح والتسامح، لكن احتفالات عيد الاستقلال كانت مجالاً لنقض بعض الحراكيين والتجمعات التي رأت في هذه المناسبة فرصة للتذكير بقضاياها الملحة، فالعشرات من المواطنين في مدينة معان على سبيل المثال جنوبي البلاد تجمعوا بمناسبة عيد الاستقلال مطالبين بالإفراج عن رئيس بلدية مدينتهم الأسبق المعتقل حتى الآن منذ أحداث الشاحنات وإضرابها الشهير.
في كل حال، يحتاج المشهد الذي قرأ ورصد في الأردن بمناسبة احتفالات عيد الاستقلال وزفاف ولي العهد إلى قراءة معمقة أكثر من الدولة، فالمواطن الأردني بصرف النظر عن المخالفات التي حصلت أثناء الابتهاج أو عن المبالغات الدرامية في الاحتفال على حساب القانون، يريد تذكير الجميع عملياً بأنه محور المعادلة السياسية والوطنية، وبأنه ليس متأثراً بأي أجندات داخلية ولا خارجية تعمل بالاتجاه المعارض لثوابت الدولة والنظام.
طبعاً وبالتأكيد، مقاربة بقراءة من هذا الصنف العميق تحتاج إلى نوعية مختلفة من المسؤولين والرموز، وبالتأكيد إلى صنف مختلف في تركيبة الأطقم الوزارية ورموز السلطة التنفيذية والتشريعية، ومن ثم احترام اتجاهات الناس وتطلعهم لدولة قانون وإصلاح. وهو الأمر الذي أشار له أصلاً وزير البلاط الأسبق الدكتور مروان المعشر.
الشعب الذي يحتفي برموزه وبزفاف ولي العهد وبمناسباته الوطنية يتحلق حول مؤسساته ولديه أمل في المستقبل. والرهان هنا على مسارات التحديث والتمكين والإصلاح التي أعلنها الملك عبد الله الثاني شخصياً بمناسبة المئوية الثانية للدولة.
في كل حال، ثمة ما ينبغي أن يقرأ وبعمق ويحفر تحت المشهد لاستنتاج دلالات محددة حول اتجاهات الشعب والمكونات الاجتماعية الأردنية، وحول موقفها ليس من الاستقلال كمناسبة وطنية فقط، ولكن مما يعنيه هذا الاستقلال في جزئية تمسكهم بدولتهم ومؤسساتهم. وأغلب التقدير أن ما ينبغي أن يقرأ قبل غيره هو حرص المواطن الأردني على التمسك بدولته وشعوره في الوقت نفسه بأن الدولة أو الحكومات المتعاقبة لا تحرص على التمسك به وبمصالحه.
جزء من تعبير الأردنيين مبالغ فيه أو مفرط ويعبر ضمناً عن خوف على المستقبل، خصوصاً أن البنك الدولي قبل أيام فقط نشر تقريراً تحدث فيه عن كمائن ومطبات في طريق الأردنيين وعن دروب صعبة، متوقعاً أن تكون الأيام المقبلة صعبة وتزيد فيها رقعة الفقر. لذا، باتت القناعة راسخة بأن الوضع المعيشي عموماً أصبح عنواناً لمخاوف وهواجس الأردنيين، لكن خروجهم بشكل تلقائي وبتنظيم داخلي وبدون تدخل الحكام الأردنيين في التعبير عن احتفالهم بذكرى الاستقلال إشارة سياسية لأصحاب ودوائر القرار يجب أن تلتقط بكفاءة وبمهنية وبالعمق الذي تستحقه.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى