اراء و مقالات

لأول مرة في الأردن: «السياسة الخارجية» تناقش علناً والاتجاه حتى الآن هو تجنب الخلط بين «الإيراني» والإسرائيليات

عمان – «القدس العربي»: تميل المؤسسات الأردنية بوضوح شديد إلى التعامل بالقطعة وبمعزل ومسافة مع المستجدات الحساسة والخطرة على صعيد الملفين الإيراني والإسرائيلي عندما يتعلق الأمر بميزان أو مسطرة مصالح الدولة الأردنية.
ويبدو واضحاً أن الخطاب الرسمي الأردني لا يريد الخلط بين العناصر التي تشكل تحديات وتنتج من إسرائيل شريكة السلام في الماضي وبشكلها اليميني حالياً أو بين الاستحقاقات والتداعيات التي فرضت إيقاعها وبقوة وقرعت كل الأجراس بعد ما سمي بالاتفاق الاستراتيجي بين إيران والمملكة العربية السعودية. ولم يصدر أي تعليق من وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي عن الاتفاق الإيراني السعودي.
وكان الامتناع عن إصدار تعليق والاكتفاء بتصريح مقتضب للناطق باسم الخارجية يرحب فيه بهذا الاتفاق ويتمنى أو يأمل أن ينعكس على شكل تفاهمات تساهم في استقرار المنطقة.
أكثر من ذلك، كان واضحاً غياب الوزير الصفدي عن هذا السياق، الأمر الذي قد يؤشر ضمناً -برأي مراقبين وخبراء كبار ولديهم معرفة بالتفاصيل والكواليس- على أن المؤسسة الأردنية لا تزال في نطاق التقييم وليس التشخيص، حتى وإن كانت خارج نطاق الصورة على الأقل من الجانبين.
المؤشر الأكبر هو أن مرحة التقييم تتطلب قدراً أقل من الاشتباك مع الإدلاء بتصريحات لا حماسية تصفق ولا متحفظة تمتعض أو تستحسن.
لذلك يمكن القول بأن الجزء الثاني أو الحلقة الثانية في سياق المستجدات التي فرضها الإيقاع الإيراني والإسرائيلي مجدداً، خصوصاً بعد الاتفاق الإيراني السعودي ثم بعد انعقاد ما سمى بقمة العقبة الأمنية، هو ذلك الذي يشير ولأول مرة إلى أن القضايا والملفات المرتبطة بالسياسة الخارجية بدأت تثير نقاشات في عمق المجتمع الأردني والشارع.
وهو أمر لم يكن يحصل سابقاً، لأن الأردنيين بطبيعتهم منشغلون بالمحليات، ولأن الثقة بقيت كبيرة بقدرات المؤسسة الملكية على التسلل والاختراق والحفاظ على التوازنات التي تضمن المصالح. لكن تلك المعادلة اختلفت نسبياً إلى حد كبير مؤخراً، فقد حطمت تقريباً لقاءات العقبة –على الرغم من التنظير لمكاسبها الوهمية- ما سبق أن عجزت عن تحطيمه حتى أحزاب وبيانات أحزاب المعارضة عندما تحطمت الجرار باتجاه مناقشة علنية لوزير الخارجية وصدور مقالات تدعو إلى مراجعة نظام التحالفات والصداقات والعلاقات الإقليمية وعلاقات الجوار على أساس المصالح الأردنية فقط.
حتى في مشاورات في مؤسسات ومكاتب الديوان الملكي وفي مجلس الوزراء وبين النواب والأعيان وبين المثقفين والإعلاميين والسياسيين والكتاب، يتردد السؤال حول جدوى وإنتاجية انحيازات البوصلة الدبلوماسية الأردنية. وهو تطور حاد ولافت إلى أن الشأن الخارجي، حيث يرى البعض أن ذلك أمر صحي للغاية، أصبح يناقش.
ومن تسبب بذلك بصفة حصرية تلك الخطابات الرنانة في عمان وتصدر عن رموز اليمين الإسرائيلي المتشدد، وكان آخرها الخريطة النكراء لوزير المالية سموتريتش، وقبلها اقتحام المسجد الأقصى من قبل الوزير إيتمار بن غفير.
كل تلك تحديات تعني الكثير اليوم كما يراها الأردنيون، وتثير قلقهم ليس على مصالح دولتهم ومؤسساتهم ولكن على هويتهم الوطنية بشكل خاص، مما دفع تجمعات شعبية أو شعبوية وأحزاباً سياسية ومجالسات عبر حوارات مغرقة إلى إصدار تحذير تلو الآخر يحاول فهم الطريقة التي تدار فيها الدبلوماسية الأردنية وعلى أي أساس في الانحياز والمشاركة والاحتجاب.
السياسة الأردنية الخارجية أصبحت بين الشؤون الداخلية فجأة، والفضل في ذلك لمطارق الائتلاف اليميني الحاكم في إسرائيل، ولمفاجآته المتتالية التي تعبث بالصحن الأردني هذه المرة، على حد تعبير سياسيين كثر، وتؤسس لحالة مخاطر غير مسبوقة على مستوى إنكار مخاطر التكيف، كما يسميه رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري.
لكن عندما يتعلق الأمر بالملف الإيراني وتطوراته ثمة إقامة طويلة نسبياً في منطقة التريث لمحاوله التعمق وفهم التحديات التي يفرضها إيقاع الاتفاق الإيراني السعودي على بوصلة الدبلوماسية الأردنية. وعدة وجهات نظر فيما يبدو تتزاحم في هذا السياق، لكن المرحلة لأنها في سياق التقييم، لم تؤدّ إلى أي قراءات إما متسارعة أو حتى مستعجلة أو زاحفة وبطيئة.
وأغلب التقدير أن ما هو واضح حتى الآن فقط أن طاقم الخارجية الأردنية على الأقل فيما يمتنع عن التعليق على الاتفاق الإيراني ودور ذلك الاتفاق في تغيير الكثير من الملامح في منطقة الخليج العربي ومنطقة الشرق الأوسط بصفة عامة مقابل التركيز على التحديات الناتجة عن اليمين الإسرائيلي، فقد استدعى السفير الإسرائيلي مرتين.
وهدد الأردن في بيان رسمي بسلسلة من الإجراءات، ووضع تلك الإجراءات في ذهن مؤسسات القرار، ووضع لها تسلسلاً زمنياً، ووجه رسالة لبقايا الدولة العميقة في الكيان الإسرائيلي عنوانها ضبط ولجم تصريحات الوزراء المنفلتة مع رئيسهم بنيامين نتنياهو، لأن ما هو على المحك أردنياً اليوم كبير وليس سهلاً الاستمرار في الإصغاء لمثل تلك التصريحات التي انتهت بخارطة إسرائيل الكبرى والتي تضم بدورها المملكة الأردنية الهاشمية.
ومن هنا، يبدو أن الدبلوماسية الأردنية أصبحت تحت الأضواء الكاشفة تماماً، ليس من الزاوية الإسرائيلية وتحدياتها فقط، ولكن أيضاً -وهذا مهم- من الزاوية الإيرانية، ولاحقاً الزاوية السعودية حيث التفاصيل كثيرة والشيطان يمكنه أن يغرق بين حيثياتها بكل بساطة.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى