اراء و مقالات

ما هو موقف الأردن من الأسد وإيران بعد «المتغير الخليجي»؟

عمان – «القدس العربي»: خلاصتان لا يمكن إسقاطهما من الحسابات التكتيكية ولا حتى الاستراتيجية عندما يتعلق الأمر بتقليب صفحات التقرير الاستراتيجي الصادر أمس الأول عن معهد “السلم والمجتمع” الأردني في إطار محاولة متقدمة ونخبوية لقراءة وفهم والحفر بين تفاصيل وتأثيرات تفاصيل الاتفاق الإيراني السعودي.
ودور ذلك الاتفاق المحتمل والمفترض في إعادة خلط الأوراق المبعثرة أصلاً في المنطقة بحثاً عن أفضل صيغة لـ “التموقع أردنياً” تحت عنوان اللحاق وبأسرع وقت ممكن بخارطة التحديات والأولويات، وفقاً للسياسي والبرلماني البارز الدكتور ممدوح العبادي.
المطلوب – في رأي الدكتور محمد حلايقة أحد أبزر المتابعين محلياً للمستجدات بكل حال وبعيداً عن تلك القراءة المعمقة- هو تحديد ما هي حالة التموقع الأردنية الأفضل في ظل المتغير الإقليمي الصعب؟
الخلاصة الأولى تلك التي تؤطر بوضوح مزاج النخب الرسمية أو شبه الرسمية أردنياً فيما بتعلق بقراءة التحول الدراماتيكي الأخير في العمق الخليجي ودوره في التأثير على المعطيات الأردنية، حصراً في البعد الإقليمي، خصوصاً أنه اتفاق تم بدون علم الأردن أو التنسيق معه في أدنى الحدود.
الخلاصة الثانية، في المقابل، تشير إلى أن شبه القناعة المترسخة في الوسط الرسمي الأردني على الأقل حتى الآن على عدم وجود قراءات قطعية تفيد بأن الاتفاق يمكن أن يتحول إلى اتفاق استراتيجي كبير وجذري وعميق. وهو على الأرجح من الصعب تنفيذه بالتفصيل، ولم يعبر إلى التفاصيل حتى الآن بعد، بمعنى أنه اتفاق في منطقة الاختبار. وعليه – ما زلنا في استنتاج خلاصة المعهد – من الصعب الاستناد إلى اتفاق لا يزال تحت الاختبار وارتبط إلى حد ما ولو جزئياً بالصراع الأمريكي الصيني على النفود في المنطقة. ومن الصعب الاعتماد عليه في تحقيق أو إنجاز موقف أردني دائم ومستقر يدفع باتجاه تحسين مناخ العلاقات الأردنية الإيرانية.
بالتوازي، المبادرة التي أطلقتها القيادة الأردنية بعنوان تأطير جهد دولي لمساعدة ضحايا الزلزال في سوريا والتقارب أكثر مع النظام السوري والعمل بنشاط علناً وخلف الكواليس لإعادة سوريا للجلوس على مقعدها في الجامعة العربية، هي مبادرة تخدم في التكتيك، وليس التحول الاستراتيجي، الأهداف المرحلية الأردنية المرسومة؛ لأنها باختصار مبادرة تنطوي على قدر من التعويض عن الفاقد في المصالح والدور والوظائف الإقليمية بعد إعلان اتفاق بين إيران والسعودية دون أدنى تشاور مع عمان. وهنا تبرز قيمة تكتيكيه لمبادرة الأردن بخصوص عودة السوريين إلى الحضن العربي في الاتجاه نحو النظام السوري، سياسة تعني التعويض الدبلوماسي مادام الأردن في المسألة الإيرانية ومعها العراقية ليس جالساً على الطاولة. وقد يوفر التعويض هنا ملاذاً لتثبيت بعض المصالح الأردنية.
لكن الدكتور الحلايقة أصر على أن القراءة الرسمية والحكومية للتحولات والمتغيرات الإقليمية السريعة ينبغي أن ترقى إلى مستوى الغرق في التفاصيل ومباركة حالة التحالف الجديدة لا بل مساندتها والاستثمار انطلاقاً من موقع المساندة بدلاً من البقاء في حالة الفرجة عموماً. ويساند آخرون رأي الحلايقة في هذا الاتجاه.
لكن ما لمسته “القدس العربي” مباشرة وهي تشارك في النقاش الذي استضافه بصورة مغلقة معهد السياسة والمجتمع لمجموعة خبراء، هو أن المزاج الرسمي الأردني لايزال خارج نطاق وسياق التحمس للتقارب الفوري مع الجمهورية الإيرانية.
والأفضل ما سمّاه يوماً الصحافي البارز محمد التل، مراجعة سياسات التحالف والتقارب الإقليمي، وضبط البوصلة على المصالح وليس ردود الفعل من أجل الآخرين هو الأقرب لرأي عدد مكثف من الخبراء، فيما الصيغة التي بدا أن خبراء ونخب مقربون من الدوائر الرسمية يقترحونها هي صيغة عدم الاستعجال والانتظار والتريث على أساس القناعة الرقمية والتفصيلية بأن تحولات الاتفاق الاستراتيجي في العمق الخليجي الإيراني قد تتعرقل في التفاصيل. وعليه، من الصعب على السياسة الأردنية أن تعيد إنتاج علاقاتها مع الإيرانيين باعتبارهم أصدقاء أو حلفاء على نحو مفاجئ.
المشكلات الأمنية مع الإيرانيين والمرتبطة وبصورة غالبة بملف الجنوب السوري لا تزال قائمة، والحوار المتفاعل مع أركان البيت الشيعي في بغداد لمصلحة التقارب الأردني الإيراني لم يقدم ضمانات من أي صنف لا على المستوى الاقتصادي ولا السياسي للأردنيين، وإن كان قد قدم بعض ترتيبات ومشاورات أمنية الطابع المرتبطة بجنوبي سوريا، مع أن نصائح مسؤول عراقي بارز في معادلة بغداد مثل هادي العامري لرئيس مجلس نواب الأردن أحمد الصفدي كانت قد ركزت عندما زار الثاني بغداد على ضرورة إدارة المفاوضات بكل تفاصيلها مع العراقيين بمعزل عن ما سمّاه العامري آنذاك “وهم السيطرة الإيرانية المطلقة على كل التفاصيل”.
في كل حال، لا تستعجل إيران أو طهران صفحات التواصل وعودة العلاقات الطبيعية مع الأردن، لكن عمان بالمقابل لا تستعجل أيضاً الاندفاع في اتجاه طهران. وأغلب ما نوقش في الجلسة المغلقة المشار إليها هو تأطير تلك الفلسفة الدبلوماسية تحت عنوان الانتظار والترقب والتريث وعدم الاستعجال في ردود الفعل بالتوازي مع التكثيف في المسألة المتعلقة بإعادة الرئيس بشار الأسد إلى مقعده في القمة العربية المقبلة.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى