اراء و مقالات

«نواب الموالاة»… صداع حكومة الأردن «المزمن»: لماذا «استجواب» وزير الخارجية؟

عمان – «القدس العربي»: كان يمكن لعضو مجلس النواب الأردني الجاذب للأضواء بالعادة فواز الزعبي، أن يختار استعمال صلاحياته الدستورية في استجواب وزير الخارجية أيمن الصفدي على خلفية قضية سياسية وطنية من طراز تصويت المجلس سابقاً على قرار لم تنفذه الحكومة ويقضي بطرد سفير الكيان الإسرائيلي.
وكان يمكن للزعبي أو رفاقه استجواب الوزير أو الحكومة برمتها تحت عناوين وملفات مهمة فعلاً مرتبطة بفلسفة الدبلوماسية الخارجية أو بضرورة مراجعة هذه الفلسفة، كما اقترح الكاتب الصحافي البارز محمد حسن التل، أو بالخطوة التالية بالملف الإيراني أو بكثير من القضايا الوطنية الكبيرة والملحة.
لكن النائب الزعبي سلك مساراً مختلفاً عندما أعلن أمس الأربعاء الانتقال بسؤال دستوري وجهه للصفدي إلى استجواب حتى قبل أن يجمع الصفدي الإجابة الدستورية على السؤال. والقصة طبعاً مرتبطة بتعيينات يعترض عليها الزعبي في السلك الدبلوماسي وهو يتحدث عن تدخل ما دون إثباته، وعن شركة أشرفت على التعيينات يملكها شخص وزوجته.
لكن رد الصفدي نفسه كان حاداً ومباشراً عندما اعترض ضمناً على فكرة استجواب برلماني لأن شخصاً ما لم ينجح في اختبار التعيين بالسلك الدبلوماسي، مشيراً إلى أن أفراداً في عائلته وأبناء وزراء تقدموا للامتحان الوظيفي ولم ينجحوا وإن المعايير كانت قانونية ودقيقة ولا تتأثر بقرار الوزير أو غيره.
كان النقاش يخص قائمة أعلنت وزارة الخارجية عن نجاحها في امتحان التعيين في وظيفة ملحق دبلوماسي، والانطباع أن الصفدي يمكن الاعتراض على تصريحاته وعلى نشاطه وعلى منهجه، لكن لا يمكن تلمس ولو شائبة صغيرة إدارياً في وضع معايير لتعيين ملحقين دبلوماسيين، حيث امتحان تنافسي فتح للجميع، وحيث جهة استشارية محايدة هي التي تابعت الامتحان وقررت النتائج ونجح المعنيون بكفاءتهم. عين خمسة ملحقين في تلك المسألة فازوا بامتحان علني، وأغلب التقدير أن الوزير الصفدي آخر من يمكنه من بين جميع المسؤولين التدخل بواسطة أو بقرارات تعيين من هذا الصنف.

حدية بين البرلمان والحكومة

لكن المسألة مرتبطة أكثر اليوم بمظاهر الحدية التي تنمو وتزداد على نحو ملموس بين البرلمان والحكومة بسبب محاولة النواب المحسوبين على صف الموالاة حصراً الضغط بقوة على سلطة التنفيذ والطاقم الوزاري للحفاظ على ما تبقى من امتيازات تمثل دوائرهم الانتخابية.
بدت المفارقة جلية واضحة خلال الأسابيع الثلاثة الماضية ويقر بها حتى الوزراء، فنواب المعارضة من التيار الإسلامي لا يزاحمون على الخدمات للناخبين ولا يتعاملون مع الشخصنة ولا يضغطون من أجل امتيازات لدوائرهم الانتخابية، فيما النواب المحسوبون على تيارات الولاء والشراكة مع الحكومة هم الذين يضغطون بقسوة وتصدر عنهم تصريحات تقال تحت القبة في بعض الأحيان بعيدة عن الحقائق والوقائع. وثمة إشكالية ملموسة هذه الأيام في انفلات الأمور بين الوزراء والنواب أحياناً.
ورئيس مجلس النواب أحمد الصفدي، كرر على مسامع “القدس العربي” ثقته في أن الأولوية عند الطرفين هي مأسسة العمل والاشتباك الإيجابي، بمعنى حرص المؤسسات على الشراكة في العمل الوطني امتثالاً للتوجيهات الملكية والمرجعية.
يقر جميع المسؤولين اليوم بوجود مشكلة أعقبت النقاش الحاد مع الحكومة في ملف الإعفاءات الطبية التي ينظر لها النواب باعتبارها الخدمة الوحيدة المتبقية في إطار ضمان ولاء أصواتهم الانتخابية، لكن الحكومة تواجه أزمة مالية وتسعى لضبط النفقات وتحاول العمل ضمن سياسة مالية واقتصادية متقشفة، وميزانها الداخلي واضح في النبض والبوصلة ويحاول العبور مع النواب بأقل فاتورة صدام ممكنة. وعدد كبير من النواب هاجم الجميع في الطاقم الوزاري تقريباً على أكثر من جبهة وجهة.
التحرش بوزير الخارجية كان علامة فارقة، والأسبوع الماضي لم يثبت للرأي العام النائب الزعبي نظريته عن وجود وزراء يعملون تحت إمرة مستثمر كبير قام بتهديده شخصياً، ونائب آخر هاجم وزارة الأوقاف، وثالث ركز على وزارة المالية.
النواب عموماً في حالة انزعاج على خلفية العقوبة التي تقررت بالتجميد أربعة أشهر لزميلهم عبد الرحمن العوايشة إثر مهاجمته بألفاظ خشنة لوزير العدل في الحكومة. ورغم أن سلوك العوايشة مرفوض من الجميع لكن مساره الطبيعي -في رأي النواب- هي سلطات القضاء وليس العقوبة التأديبية المسلكية، لأن الحادثة لم تحصل تحت القبة وفي اجتماع رسمي.

تصدعات

يعاني المجلس أصلاً من تصدعات، فقد فصل 3 من أعضائه بعقوبات تأديبية، ويبدو أن من يديرون الأمر في المؤسسات الرسمية يجازفون بتكرار مثل هذه العقوبات بفكرة دستورية تمثيل الدوائر الانتخابية وتعطيل مصالح الناخبين في دائرتين على الأقل جراء حالات الفصل والتجميد. والعلاقة تبدو مسمومة بين النواب والوزراء بين الحين والآخر.
لكن خلفية التوتر من جهة النواب، انطباعهم بأن الحكومة لا تقدم لهم شيئاً في نظام الخدمات كما تفعل أو كانت تفعل الحكومات السابقة لضمان بقائهم تحت السيطرة في التشريع.
والموقف من جهة الحكومة قوامه الانطباع المقابل؛ أي أزمة مالية حادة لا تسمح بمزيد من الدلال للنواب عندما يتعلق الأمر بالنفقات العامة خلافاً لأن استقواء بعض النواب على بعض الوزراء أحياناً أصبح مسألة مضجرة وتحتاج إلى معالجة بعنوان استعادة هيبة الحكومة مع النواب وليس العكس.
هذا النمط من الاحتفاظ بالقناعات يفجر لغماً هنا واستجواباً هناك، ويحافظ على سياق من المناكفة في وقت حرج سياسياً وإقليمياً ومالياً، خلافاً لأن النمط نفسه يعاكس التوجيهات ولا يساعد في تثبيت خطة أو خط جماعي متوافق عليه يمكنه أن يخدم الأهداف النبيلة في الرؤية التحديثية المرجعية ثلاثية المسارات. ثمة أزمة حقيقية بين الطاقمين الآن لا يصلح معها حقن التخدير ولا فلسفة كنس المشكلات تحت السجادة، وإذا لم تصنع برمجة جديدة وتضبط الإعدادات قد يحصل صدام مرتبط بهواجس تعني في المحصلة رحيل الحكومة أو البرلمان أو حتى رحيلهما معاً.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى