اراء و مقالات

هاكابي و«البقرات الـ 5»: مرة أخرى الدبلوماسية الأمريكية ترش الملح في «جرح الإعياء الأردني»

عمان – «القدس العربي»: البقرات الخمس التي تفقدها الأسبوع الماضي سفير الولايات المتحدة في تل أبيب، مايك هاكابي، تضيف عبئاً جديداً حصراً على الأعباء الأردنية، حيث إرهاب استيطاني متطرف يضرب بغلاظة في عمق الدور الأردني والوصاية في القدس المحتلة.
بقرات هاكابي -في رأي نخبة السياسيين الأردنيين- إضافة جديدة متطرفة تنتج الإعياء، وتصنع الأعباء، وتكمل الصورة التي يرى سياسي مخضرم ومحنك مثل رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري، أنها باتت قاتمة للغاية ومظلمة، وتنتج المزيد من إيحاءات دخول الإقليم برمته في نفق مظلم تحت عنوان الصراع الديني.
لم تظهر أي مؤشرات دبلوماسية من جهة السفير المتطرف هاكابي.
المصري في آخر نقاش مع «القدس العربي»، أعاد التحذير من كلفة وفواتير ونتائج الوحشية التي يستخدمها الإسرائيليون الآن في فرض أجندتهم لإخضاع الشعب الفلسطيني، بينما رسالة الإخضاع الدموية للجميع في كل حال.
المصري واحد من السياسيين الذين يلاحظون بوضوح أن تحول ماكينة الاستيطان الإسرائيلي إلى حالة الوحش الدموي والمجرم هي محطة تدفع المنطقة والمجتمع الدولي إلى تغيير استثنائي في المفاهيم والمفارقة، التي لا يريد ساسة أردنيون التحدث عنها بصورة علنية وصريحة، هي تلك التي بدأت تفترض صعوبة استخدام واستعمال أدوات الماضي الدبلوماسية الناعمة، أو حتى الخشنة، في مواجهة ماكينة إسرائيل الوحشية وسعيها لإخضاع الشعوب.
هنا سياسياً وحصراً، تكمن التعقيدات الأبرز في الإشكال الأردني مع حالة إسرائيل الجديدة التي لم تعد تؤمن بالسلام، وتسعى لتقويض عملياته، ولا تهتم بالتطبيع، ولا تحسب حساب الشراكة والجيران في كل حال.
هاكابي عندما تفقد البقرات الحمراء الخمس، أضاف الملح عملياً على الجرح الأردني في القدس تحديداً، حيث إحياء الدبلوماسية الأمريكية هنا للفكرة التلمودية المتطرفة، وتجليات خرافية من هاكابي وما يمثله عند الحليف الأمريكي الذي أصبح في ظل الطاقم الحالي في إدارة الخارجية والبيت الأبيض صديقاً في حالة عدو لا يرعى أي حسابات تنتمي لمرحلة ما قبل مشروع تصفية القضية الفلسطينية، الذي يقدر الرئيس المصري أنه بدأ مبكراً، وإرهاصاته بدأت منذ سنوات.
لكنه يتحول اليوم إلى إطار تنفيذي لخطة عمل، لا بل يجر معه شعوب الشرق الأوسط كلها إلى مساحات الصراع الديني، بصيغة يصبح معها القول بالاستقرار أقرب إلى فرضية متخيلة.
بقرات السفير هاكابي وهو يتفقدها في مزارع مستوطنة «شيلو»، تعيد برمجة المعطيات وتظهر بأن المؤسسة الأمريكية لديها شراكات عميقة مع المتطرفين من المستوطنين الإسرائيليين، وإن كانت تأثيرات ما يقوله هاكابي لم تقف عند هذه الحدود؛ فسفير البقرات الحمراء كان وفقاً للرصد الأردني المؤسسي هو الوحيد الذي أعلن أمس الأول بأن أي حديث عن قبول الرئيس دونالد ترامب لفكرة إقامة دولة فلسطينية غير صحيح وليس واقعياً.
هاكابي وحده تنطح إعلامياً لوصف التسريبات عن احتمالية إعلان ترامب موافقته على دولة فلسطينية والاعتراف بها عشية زيارته للمنطقة بأنها «ترهات».
كانت طبعاً تلك رسالة مما يمثله أو من الذين يمثلهم هاكابي في الجناح المتطرف لليمين الأمريكي.
والرسالة واضحة تماماً، وتوحي بأن حاجة ترامب لمليارات الدول العربية الثرية لم تصعد به إلى منطقة يضفي شرعية فيها على قيام دولة فلسطينية.
برأي المصري وساسة آخرين كبار، فإن من لا يقرأ هذه الرسالة الواضحة يتورط بخطأ التحليل البصري، فيما البقاء في منطقة المناورة أردنياً مع الصديق الأوروبي التابع واستمرار العزف معه على أوتار نغمة الدولة الفلسطينية، لا يعني شيئاً محدداً في النتيجة.
يقدر السياسي مروان الفاعوري، أن النظام الرسمي العربي الآن ومعه دول أوروبا باتوا أقرب إلى صفة «كومبارس» لا يسأله لا المخرج ولا النجم الرئيسي في العرض عن اللياقات واللباقات المهنية.
وتلك وصفة مؤكدة -وفقاً لقناعة الفاعوري- بأن المواجهة أردنياً وعربياً وإسلامياً باتت حتمية مع الخصم والعدو، وأن تأجيل الصراع وتأجيج مشاعر وانطباعات التمسك بسلام وهمي ما هي إلا سلوكيات لن تنفع أصحابها في النهاية.
هاكابي في هذا المعنى بث الإحباط مجدداً في عمان، وأعاد الترقيم والتسمية، ليس عندما رصدته الكاميرات وهو يمسح بيديه على رأس إحدى البقرات المشار إليها، ولكن لأنه بعد زيارته لمستوطنة «شيلو» وتفقده للبقرات الحمراء، نفى قطعياً أن تتضمن أجندة زيارة ترامب للمنطقة أي لهجة جديدة فيما يتعلق بملف الدولة الفلسطينية.
ذلك مشهد لا يمانع وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، طوال الوقت، باعتباره إشارة مبكرة؛ لأن الأمن والاستقرار لن يصلا إلى محطة ومنطقة أمان في العالم بدون تمكين الشعب الفلسطيني من حقوقه الأساسية.
ذلك الثابت الأردني المؤكد -شرح الصفدي مرة على هامش نقاش مع «القدس العربي»- وهو يعيد التأكيد على ما قاله الأردن سابقاً طوال سنوات في معادلة استحالة حصول إسرائيل على الأمن بدون دولة فلسطينية.
لكن على جبهة موازية تتحرش يومياً بالوصاية الأردنية في القدس، ثمة مستجدات مقلقة أيضاً، لا بل يومية.
ما يقوله الأوروبيون للأردن وغيره ولعواصم الاعتدال العربي هو مجرد حديث لا معنى له عن هندسة عكسية، وصولاً إلى الاعتراف بدولة فلسطينية.
ما يقوله الأمريكيون لعواصم العرب خلف الستائر، ومن بينها عمان، هو تكرار جملة استفهامية تقترح على الدول العربية التي تسأل أو تستفسر الاهتمام بذاتها ومصالحها أولاً، والتوقف عن طرق أبواب ما يسمى بالدولة الفلسطينية حتى تتغير أو تنضج الظروف والاعتبارات.
هاكابي في الخلاصة وبعدما تفقد البقرات الخمس، رش الملح على جرح الاعتدال العربي والإعياء الأردني.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading