اراء و مقالات

ملف أردني يتدحرج: الإسلاميون… إدماج أم إقصاء؟

«إساءات الجمعة وهتافات الشارع»

عمان ـ «القدس العربي»: «إساءات الجمعة لا يمكن السكوت عنها»… تلك عبارة نقلت عما يشبه بيان افتتاح لجلسة مجلس الأعيان الأخيرة صباح أمس الثلاثاء في الأردن، تجاوباً مع الحالة النقاشية التي اتجهت نحو منحنيات حرجة مجدداً، في محاولة فهم ما الذي حصل خلال تظاهرة الجمعة الماضية.
العبارة تصبح من فئة «ما لا تقوله بالتصريح أهم مما يقوله التلميح»، خصوصاً عندما تصدر عن رئيس مجلس الأعيان المخضرم فيصل الفايز.
بعيداً عن عدم بذل التيار الإسلامي تحديداً لجهد ملموس لتجنب مثل هذه العبارة، يمكن القول إنها تصدر عن شخصية رفيعة المستوى في الهرم السياسي في البلاد، مصنفة سياسياً ووطنياً بأنها صديقة للإسلاميين، لا بل تحاول إدماجهم، ولا تتبنى طروحات إقصائية لهم، مثل الرئيس الفايز الذي كان أول من أبلغ «القدس العربي» مباشرة وعدة مرات مؤخراً، بأنه مستعد لفتح قنوات الحوار الوطني على أساس الثوابت والمرجعيات والولاء غير الملتبس مع الإسلاميين.
قال الرئيس الفايز أيضاً: اللسان الذي يمس بالثالوث الأردني المقدس (القيادة، والوطن، والجيش والأمن) سيقص.

ثالوث مقدس

تلك أيضاً بالتوازي، عبارة تستوجب التأمل والتعمق أكثر عندما تصدر عن رجل دولة رفيع المستوى يبذل جهداً منذ سنوات لمعالجة المشكلة بين الدولة والتيار الإسلامي، مثل الرئيس الفايز.
الانطباع هنا أن ما يلمح له الفايز أو يقوله أو لا يقوله، هو أن ما يسمى بإساءات الجمعة، أغضبت مساحة واسعة في دوائر القرار؛ لأنها توحي بتجاوز ما في حسابات الدولة، التي وافقت ووفرت الحماية والحراسة لأكثر من 3000 آلاف فعالية وتظاهرة في البلاد بعد 7 أكتوبر، حظي خلالها الشعب الأردني برمته وليس التيار الإسلامي فقط، بحرية التعبير.
لذلك، فإن جرس الإنذار الذي قرعه الرئيس الفايز، صباح الثلاثاء، بالعنوان «لا يمكن السكوت عنها» يصبح محطة تستوجب التأمل؛ لأنها توحي أولاً وسياسياً، بأن الأزمة موجودة، لا بل تنمو وتزحف وتزيد بين حسابات الدولة واتجاهات قوى الشارع، وعلى رأسها التيار الإسلامي. وتوحي ثانياً، بأن حراكاً ما على المستوى الرسمي يتجه أو قد يتجه إلى قرارات وإجراءات لا أحد يمكنه أن يتوقع بعد إلى أين يمكنها أن تصل.
لكن فلسفتها، من باب الافتراض، هو الضبط والسيطرة؛ ليس لأن الملتقيات الشعبية المناصرة لغزة والمقاومة الفلسطينية بزخم جماهيري مؤثر وفعال، ولكن لأن المرحلة بمنتهى الدقة والحساسية، ولأن العالم برمته يتربص اليوم بالإسلام السياسي، فيما توفر له القيادة الأردنية ـ كما يقول الفايز ـ الحماسة والتأمين.

«إساءات الجمعة وهتافات الشارع»

هذا النمط من التلميح يعيد عملية تسجيل الكرات المتبادلة في مباراة في الشارع الأردني يمكن الاستغناء عنها.
لكن ما يسمى بـ «إساءات الجمعة « يبدو أن ملفه يتدحرج ضمن حالة تقاطع حسابات ووجهات نظر وانحيازات كان يمكن للتيار الإسلامي تجاوزها لو قام بواجبه المفترض عند إطلاق مسيرات ضخمة في السيطرة على الميكروفون؛ لأن من يقود الفعاليات في المحطة الأخيرة هو المسؤول، حتى وإن صدرت الهتافات عن أفراد هنا أو هناك.
شعرت أوساط رسمية مبكراً، بأن واجبها الأخلاقي والوطني يجبرها على عدم التساهل إزاء هتافات جارحة نشر بعضها بالفيديو وتم تداوله، فيما يشعر الإسلاميون ـ في المقابل ـ أن جهات متربصة بهم لجات إلى التهويل والمبالغة في مسألة الهتافات الجمعة الماضية، لأغراض لها علاقة بقمع الشعب الأردني.
وهو ما ألمح له الناشط النقابي الإسلامي أحمد أبو غنيمة، عندما استغرب كل ما وصفه بحملة من دولة ضد هتاف يمكن للقانون أن يعالج من أطلقه ويحاسبه.
ما يقوله أبو غنيمة وغيره من نشطاء التيار الاسلامي صحيح لو أن المسألة تتعلق فقط بهتاف مندس أو باصطياد هتاف سلبي وجارح ينطوي على تشكيك بالمؤسسات أو بالمواقف الرسمية.
المهم هنا ملاحظة أن قراءة الحملة من باب التهويل ضد هتاف سلبي، هو مؤشر على قصور في فهم جذر قراءة الدولة ومجساتها للمشهد. تلك طبعاً مسؤولية من يقرأ ويقيم حساباته على أساس هذه القراءة.
وما يرشح عن المصدر الرسمي المباشر هو أن المسألة من المعيب القول إنها تتعلق بالهتافات حصراً، بل تتعلق بمساحات المناورة الضيقة أمام الحكومة عند إعادة تدوير الزوايا.

ضرب الأوتار الحساسة

وبوجود تيار داخل الحراكات الشعبية، من وجهة نظر البوصلة الرسمية، يخطط للمجازفة بتحويل الأردن إلى ساحة اشتباك ويضرب على بعض الأوتار الحساسة رسمياً، أمر يستوجب رداً في البعد الرسمي، وقد يفسر عبارة الرئيس الفايز التي تقول «لا يمكن السكوت عنها».
طبعاً، وزارة الداخلية ألقت القبض على أحد المواطنين اتهم بإطلاق هتافات مسيئة ومشككة. وقوى الشارع تطالب بالوقوف عند ذلك الحد. والإجراء البيروقراطي هنا تحصيل حاصل. والخلاف مع الإسلاميين وغيرهم أبعد وأعمق، وبدأ يناور في مساحة أوسع؛ ليس لأن حوادث التسلل عبر الحدود أطلقت أجراس إنذار، وليس لأن بعض النشطاء الشبان الذين تم إيقافهم تورطوا في تفصيلات أمنية وليست سياسية أو تعبيرية. ولكن لأن منطق السيطرة والتحكم في ظرف حساس لم يعد من الممكن أن يسمح بتسليم حواضن الشارع تماماً لقوى حزبية، حيث معايير الانضباط والتحكم هنا تزيد، وحيث المطلوب من الإسلاميين وغيرهم ما داموا يشكلون أغلبية البرلمان بعد انتخابات نزيهة، أخذ كل تعبيرات الحيطة والحذر والانتباه.
الخلاصة: على العقل السياسي للملتقيات والتيار الإسلامي أن يقرأ ما لم يقله الرئيس الفايز.
ومن ينصحون اليوم ويلفتون النظر ويقرعون الجرس هم جزء من الذين يحاولون حل الإشكال بين الدولة والإسلاميين، وليسوا ممثلين لكتيبة التدخل السريع التي شيطنت كل أردني تظاهر في الشارع.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading