اراء و مقالات

الأردن: مداخلة «حارة» لمحامية «كركية» ضربت «الوتر الحساس»: لماذا «لا يركل» المواطن «كرة الأحزاب»؟

عمان- «القدس العربي»: لا جواب لدى الحكومة، ولا لدى رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة على المفارقة الأساسية التي طرحتها المحامية الشابة هبة الشمايلة في الكرك أمس الأول، التي أثارت ضجيجاً لأنها تقمصت الحالة التالية: “أحمل دكتوراه في القانون ولم أحصل على فرصتي لأن والدي موظف بسيط ولست ابنة وزير أو نائب في البرلمان”.
قالتها المحامية الشابة بوضوح للرئيس الخصاونة في مقر جامعة مؤتة في الكرك جنوبي البلاد، وحرصت على أن تطالب رئيس الوزراء بالانتباه جيداً لها وعدم تسجيل ملاحظات، لأن لديها ما تقوله تحت عنوان البحث عن فرصة وانهيار فرص الشباب التائه والبطالة وتأثيراتها.
الأهم في مداخلة تلك المحامية هو التأشير على توارث المناصب، لا بل الوظائف أيضاً، والتحدث صراحة وبصوت مرتفع في قضية طالما أشغلت الرأي العام الأردني لأنها تعكس غياب الإنصاف، حيث من الصعب القول إن فرص التعيينات في الوظائف العليا في الحكومة تخضع لمعايير حقيقية أو واضحة، وحيث توارث في المواقع ليس من الحكمة إنكاره، الأمر الذي يسحب مجدداً من رصيد الدولة وأحياناً النظام عند الناس جراء مشاعر الغبن.
متحدث بارز سألته “القدس العربي” عن مداخلة محامية الكرك الشابة التي قالتها بحرارة وهي تدعو باسم عائلتها رئيس الوزراء لطعام الغداء، اعتبر أن الحكومة لا تريد أن تفهم أحياناً بأن الأنباء التي تنشر أو تبث عن تعيين ابن فلان أو ابنة فلانة في وظائف وعقود برواتب كبيرة أحياناً تحبط الشارع ولا تنصف الناس، بل تثير إحساساً عارماً بغياب الإنصاف وما سمّاه الرئيس طاهر المصري بغياب اليقين.
تعيينات الحكومة الأخيرة في مواقع متقدمة شملت طيفاً من أبناء الشخصيات الكبيرة فيما خريجو الدكتوراه والماجستير والجامعات يتكدسون بلا أمل حقيقي بحثاً عن وظيفة، والقناعة راسخة -على حد تعبير البرلماني الفاعل الدكتور خير أبو صعليك- بأن البطالة كانت ولا تزال وينبغي أن تبقي هي الهدف.
حكومة الأردن وعدت بإنتاج 100 ألف وظيفة ضمن خطة طموحة وصفت بأنها رومانسية خلال السنوات العشر المقبلة.

غياب الشفافية

لكن التعيينات هنا وهناك وأحياناً في السلك الدبلوماسي والحكومي، تثير ضجيجاً بسبب غياب المعايير الشفافة وما تقدم به رئيس الوزراء الخصاونة رداً على المحامية الشمايلة، وبصورة علنية أيضاً إقرار ضمني بأن ابن الوزير والسفير يحصل على تسهيل بسيط، وبأن الإنصاف يتحقق عندما يتلقى كل تلميذ أردني في كل مدارس المملكة نفس الفرصة من التعليم.
حاول الخصاونة دفع الأمل بالمستقبل عند الشباب الذين التقاهم في الكرك، لكن مداخلة المحامية ألقت حجراً كبيراً في مياه راكدة، وسلطت الضوء على تلك التعيينات الخفية التي تحصل هنا وهناك تحت بند التوريث الوظيفي، الذي انتقده رئيس الوزراء في المكان نفسه.
لا يتعلق الأمر هنا بسوء إدارة فقط ولا بخطأ إداري بقدر ما يتعلق بمنهجية بدأ الشعب الأردني عموماً يظهر انزعاجه منها، وقد ضربت المحامية الشمايلة وتراً حساساً إضافياً عندما أعلنت أن غياب فرصتها رغم تأهيلها العالي ومشاركتها في لجان ملكية سابقاً لن يدفعها لمغادرة البلاد. والأهم لن يدفعها للانضمام إلى الأحزاب السياسية التي حضر رئيس الوزراء إلى الكرك للتبشير بمرحلتها.
قالت المحامية الشابة إنها لا تؤمن بأي حزب موجود الآن في الأردن، ولن تنضم إلى أي حزب من الأحزاب.
تلك كانت ضربة قوية وعلنية أمام رئيس الوزراء لما يسمى بمسار التحديث السياسي، فالقطاع الشاب لا يرى بعد بأن فرصته الوظيفية والمعيشية يمكن أن تتحسن مستقبلاً بسبب الاندفاع نحو الحياة الحزبية، الأمر الذي يعني أن فكرة التحزب والتحديث السياسي على الرغم من كل النفخ فيها، لا تزال في حدود الرقم 1 % عند الشعب الأردني، ولا تبدو مقنعة إطلاقاً.
والسبب هو أن حديث الحكومة والمسؤولين عن الأخطاء الإدارية وإصلاح الإدارة والمساواة في التعيينات في واقع الأمر لا تمارسه الجهات الحكومية؛ فأبناء النافذين والمسؤولين السابقين وليس كلهم بطبيعة الحال، يحصلون على فرصة أفضل بحكم الواقع الموضوعي، وبعض أبناء القرى -وفق الخصاونة- تفوقوا في مسابقات وزارة الخارجية على أبناء سفراء.
بكل حال، ضربت المحامية الشابة ودون أن تقصد على الأرجح، وتراً حساساً عندما أعلنت عدم ثقتها بأي من الأحزاب الموجودة، رابطة الأمر بشعورها بالغبن الوظيفي، مما يعكس انطباعاً عاماً بأن مشوار التحديث السياسي طويل ومعقد وتجاوز نسبة الـ 1 % التي تمثل من انضموا للأحزاب أو من يريدون الانضمام، ولا يمكنه أن يكون مهمة سهلة؛ فالمشوار طويل ومتدرج على حد تعبير رئيس الهيئة المستقلة لإدارة الانتخابات موسى المعايطة.

الرسالة: لا عدالة

والرسالة المختصرة في جوهر مداخلة المحامية الشمايلة، أنها بكل بساطة لا تشعر بالعدالة الاجتماعية، لذا قرت العزوف عن الالتحاق بحافلة مسار التحديث السياسي.
ذلك نمط من الرسائل عابر للحكومة ولرئيس الوزراء، ويقدم دون أن يقصد دليلاً مباشراً يجيب عن السؤال العالق الذي طرحته يومياً وعلناً الأمين العام لحزب العمال الدكتورة رولا الحروب، وهي تسأل: الكرة بين قدمي المواطن الأردني… لماذا لا يركلها؟ تقريباً وإلى حد معقول، قالت المحامية الشمايلة للخصاونة: لماذا لا يريد الناس ركل الكرة؛ بمعنى المشاركة في لعبة العمل الحزبي الطازجة؟

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى