اراء و مقالات

محاكمة فاطمة ليث شبيلات… كتلة «حرجة» في الأردن تتألم و«صناعة نجوم معارضة» تنشط

بعد ملص وإبحيص وآخرين من الناشطين والمناصرين للمقاومة وفلسطين

عمان ـ «القدس العربي» : الاعتقاد في أي لحظة بيروقراطية بأن محاسبة امرأة أردنية بقسوة وغلاظة بموجب القوانين سلوك قد لا ينطوي على حكمة وتعقل مألوفين في تاريخ البلاد والمجتمع؛ لأن الأردنية بالعادة بصرف النظر عن هويتها وموقفها يتم التعامل معها بحرص شديد وبجرعة كبيرة من التسامح حتى عندما تصرخ أو تخطئ أو تنفعل خصوصاً في الشارع.

اتجاهات سلبية

تلك قاعدة اجتماعية يعرفها الأردنيون جميعاً بدون شك، وهي أشبه بقانون اجتماعي غير مكتوب، لكن ما حصل ويحصل الآن مع السيدة فاطمة شبيلات حصراً، ابنة الشخصية الوطنية البارزة الراحل ليث شبيلات، يحتاج إلى وقفة تأمل ورشد أهميتها أعمق من أي لحظة تقرر فيها جهة رسمية ما تطبيق حذافير القانون. لا يمكن بأي حال توقع مكافأة رسمية عبر المبالغة البيروقراطية في محاكمة السيدة شبيلات التي ظهرت في شريط فيديو شهير وسط اعتصام ضاحية الرابية، تصرخ بانفعال لا بل تتهجم لفظياً إن جاز التعبير، على رجل أمن.
جهة ما قررت تحويل ابنة المعارض البارز الراحل إلى المحاكمة والمساءلة بتهمة التجمهر غير المشروع، والإساءة لرجال الأمن، ثم التهجم على موظف عام. تلك حتماً مبالغة في التكييف القانوني قد لا تقود إلى النتائج المرجوة والمأمولة في الحفاظ على هيبة القانون، ليس بسبب والد السيدة الموقوفة الآن وتاريخه المعروف في المعارضة الوطنية، ولكن بسبب أن النظام العام والمجتمع يتعامل مع النساء في الشارع السياسي والصخب الحرياتي بالعادة ضمن محددات مفهومة، وإن كانت غير مكتوبة.
مجدداً، أبلغ الناشط الحقوق عاصم العمري «القدس العربي» أن أوضاع الحريات والتعسف في منعها أو قمعها، تسير في اتجاهات سلبية في البلاد ولا يمكن توقع نتائج إيجابية للدولة جراء هذا الانفعال حتى عند تطبيق القوانين. عائلة السيدة شبيلات أصدرت بياناً فاجأ الأردنيين عموماً، ونصه يتحدث عن توقيف السيدة التي شوهدت تصرخ ضد رجل أمن في اعتصامات الرابية في سوق تجاري، ثم إحالتها مرتين في عدة اتهامات، وتوقيفها في السجن الخميس الماضي، ورفض تكفيلها صباح الأحد. تلك المسألة بصرف النظر عن مبرراتها البيروقراطية والقانونية، يمكنها أن تتكفل وسط الجو والمناخ المشحون الآن بسبب عدوان إسرائيل على غزة بصناعة حالة نموذجية سياسية جديدة يمكن طبعاً الاستغناء عنها.

بعد ملص وإبحيص وآخرين من الناشطين والمناصرين للمقاومة وفلسطين

وبصرف النظر عن الخطأ الذي قد تكون ارتكبته السيدة شبيلات أو لم ترتكبه، لكن جزئية وجود ابنة شخصية من حجم شبيلات خلف القضبان، لا تنفع الدولة ولا القانون، لا بل تظهر مؤشرات الخشونة غير المبررة خلافاً للمألوف التاريخي الأردني، كما يرى العمري وغيره. عائلة السيدة التي تم اعتقالها تعترض وتحذر من فتنة. وأفضل وصفة اليوم في عمان لخدمة التيار الإسلامي والحراكات الشعبية المناصرة لغزة هي استسهال صناعة نجوم جدد في الشارع، فيما بدأت القطاعات النسائية الحراكية تشتكي علناً من غياب البروتوكولات التي كانت دوماً معتمدة في التعاطي مع فعاليات نسائية تحاول التضامن مع الأهل في قطاع غزة.
يمكن لأسباب أعمق استخدام مخزون التسامح البيروقراطي المعروف عند الدولة في منع الاسترسال بصناعة نجوم جدد باسم وتوقيع المعارضة في الشارع، خصوصاً في زمن إطلاق العمل الحزبي ومنظومة التحديث السياسي والتحضير للانتخابات. أخطأت السيدة شبيلات أم لم تخطئ، لم يعد ذلك مهماً للشارع الأردني الذي سيرى في الخطوة فقط مبالغة غير مبررة بدأت تعزف أوتاراً حساسة في المجتمع. وعلى الرغم من أن القانون يفترض أن يطبق بمسطرة واحدة على الجميع فإن ما قالته رسالة العائلة شبيلات ينبغي التوقف عنده وهي تتحدث عن شريط فيديو مجتزأ تم بثه بغطاء من النكاية لا يظهر فيه الجزء الذي ابتلعته العائلة؛ لأن أحد العناصر -وفقاً لرسالة العائلة- كان يعتدي بالأيدي على السيدة الموقوفة الآن، ما دفعها للصراخ وإطلاق عبارات من الصنف الذي يمكن للسلطة أن تنتقيه أحياناً باعتباره إساءة لموظف عام. لا يمكن بالتوازي تبرير أي اعتداء على رجال الأمن أثناء الواجب، والقضاء سيد الموقف بكل حال.

رسالة غير مفهومة

لكن اعتقال سيدة في الأسواق وبعد 3 أسابيع من حادثة ما، خطوة تحتاج لتقييم بيروقراطي؛ ليس لفهم أسبابها وخلفياتها، ولكن لضمان أن تبقى نتائجها في دائرة الانضباط. قبل السيدة شبيلات وما تقول عائلتها إنه حصل معها، لا بد من فهم الأسباب التي تدفع للاستمرار في اعتقال ناشطين بارزين، هما المهندسان ميسرة ملص وزياد إبحيص، وكلاهما في الاعتقال الأمني رغم أن السلطات الإدارية أفرجت الأسبوع الماضي عن 13 موقوفاً من الذين يطلق عليهم اليوم اسم نشطاء مناصرة غزة.
وفي رأي القيادي البارز جداً في النقابات المهنية بادي الرفايعة، فإن الاستمرار في اعتقال ملص وإبحيص في عهد التعددية الحزبية والسياسية هو رسالة غير مفهومة ضد الاعتدال. مهم في زاوية أبعد قليلاً الانتباه إلى أن اللحظة التي صيغ قانون الجرائم الإلكترونية سيئ السمعة والصيت من أجلها باتت تطل مؤخراً برأسها على هامش الانفعال الوطني الذي تسببت به جرائم إسرائيل في عمق الأردنيين.
وتلك محطة ينبغي -برأي العمري والرفايعة وخبراء قانونيين متعددين- أن تنتبه لها السلطات؛ لأن المناخ الحالي مشحون ويحمل في بطنه جرعة عالية من الإحساس بالأخطار، بما فيها تلك الوجودية في الوقت الملائم أو المناسب للتشدد في تطبيق قانون الجرائم الإلكترونية.
ينصح خبير ومحلل استراتيجي هو الدكتور أنور الخفش، عبر «القدس العربي» بالحذر والانتباه العميق، لأن ما يسميه المراقبون بليلة القصف الإيراني أكملت سلسلة من المخاوف عند الأردنيين بدأت مع العدوان الإسرائيلي. ما يقترحه الخفش هنا أن التطورات الحادة في الإقليم أسست كتلة أردنية حرجة جداً في المجتمع، مستاءة ومنزعجة لا بل متألمة أيضاً. لا ينصح باستفزاز المجتمع أكثر وسط هذه المرحلة الحرجة.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading