الأردني وهو «يهلل» لصواريخ إيران: هل تعيق القواعد الأمريكية خطة «الحياد العملياتي»؟
عمان – «القدس العربي»: هل سقطت أو أسقِطَت صواريخ إيرانية في بعض المناطق الأردنية بفعل إسرائيلي أم بفعل الصديق الأمريكي؟ سؤال يمكن الاستغناء عنه في ظل تعثر وتردد، وجزئياً غياب الرواية الرسمية؛ لأن قواعد الاشتباك أصلاً معلنة وقد لا يتوفر المبرر السياسي للحرص على صدور بيان هنا أو تصريح هناك ثم تعديله.
خلافاً لمرات سابقة، لوحظت زحمة في بيانات المؤسسات الرسمية في عمان أيضاً يمكن الاستغناء عنها. والرأي العام الأردني يتفهم، وأُبلغ علناً بالقرار السيادي والقاضي بإسقاط أي جسم طائر يحاول اختراق الأجواء الأردنية بصرف النظر عن هويته.
كان يمكن البقاء عند تلك القواعد في التعاطي الإعلامي والبيروقراطي مع ليلة الثلاثاء التي نظر الأردنيون لها أيضاً باعتبارها ليلة مجيدة في كل حال عندما سهر الملايين منهم فوق الأسطح وعلى الهضاب وبالقرب من حدود فلسطين المحتلة لتصوير تلك اللحظات التي يشاهدون فيها إسرائيل وهي تقصف.
طبعاً، في عملية كبيرة من هذا الصنف، تسقط شظايا بسبب تلاصق الحدود والجغرافيا.
وسقوط عدد محدود من الشظايا تمت السيطرة عليه جراء التصدي للصواريخ الإيرانية، مسألة يتفهمها المواطن الأردني في حالات الحرب بعدما تكرست القناعة بأن إسرائيل فقط هي التي تقصف في أي مكان تريده بجوارها العربي والإسلامي لأنها تفتك وتقتل أيضاً وتهدد الجميع، حتى إن القطب البرلماني الأردني صالح العرموطي وعلى هامش نقاش مع «القدس العربي» عصر يوم الثلاثاء، طرح السؤال الذي لا إجابة عليه، لكن بلهجة وطنية: «ما الذي يمنع الإرهابي الإسرائيلي في الواقع العملي من قصفنا أيضاً والاعتداء علينا»؟
طبعاً، لا يقصد العرموطي قواعد الاشتباك السيادية ولا القدرات، فالأردن كما قال لـ «القدس العربي» سابقاً رئيس مجلس الأعيان فيصل الفايز، هو دولة تؤمن بالسلام، لكنها ستدافع عن نفسها ومصالحها بصيغة تذهل الجميع إن تعرضت لاعتداء.
في كل حال، ما يقصده العرموطي هو إعادة ضبط الإعدادات فيما يتعلق بزوايا المصالح الوطنية الأردنية في العلاقة مع إسرائيل والملف الفلسطيني برمته بناء على ما أظهره العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ولبنان من مؤشرات موتورة في حكام اليمين الإسرائيلي، توجب إعادة قراءة المشهد برمته بما يحافظ على التوازنات والثوابت الأردنية الوطنية المعلنة.
ذلك بطبيعة الحال، نقاش سياسي في مربع المراجعة التي اقترحها يوماً وعلناً وزير البلاد الأردني الأسبق الدكتور مروان المعشر، لمجمل ملف العلاقة مع إسرائيل.
لكن في النقاش الأمني تحديداً، وأحياناً السيادي، فإن اللعب على التوازنات ومشروع النأي بالجغرافيا الأردنية عن الصراع بين إيران وإسرائيل هو الأساس، ولا أحد لديه عقل راشد وسط الأردنيين يمكن أن يعارضه، الأمر الذي لا يؤسس مبررات لا للارتجال إعلامياً ولا للتسرع ولا أيضاً للتردد في التعاطي مع الحقائق والوقائع أمام الجمهور كما هي.
وبناء عليه، يمكن الاستنتاج بأن الحاجة ليست ضرورية للجدل في قواعد الاشتباك السيادي، لأن وزير الخارجية أيمن الصفدي أعلن عدة مرات بأن بلاده ستسقط أي جسم طائر يخترق الأجواء ومن أي جهة.
والفهم العام لهذه القاعدة هو أن كلاً من إيران وإسرائيل معاً، ليس متاحاً لهما العبور في الحرب الجوية عبر الأجواء الأردنية.
أبلغت طهران بذلك، وقيل لتل أبيب والأمريكيين ما قيل في السياق، لكن الطبيعة العملياتية للصراع وللحرب التي تتوسع تؤشر على أدلة حيوية تقضي باستحالة ضمان كل القدرات الفنية العسكرية بسبب طبيعة الموقع الجغرافي، وهو ما دفع رئيس الوزراء الاسبق بشر الخصاونة قبل أشهر لاستعمال صيغة «حسب قدراتنا والظروف».
الإحراج قد تنتجه فقط القواعد العسكرية الأمريكية الموجودة في المنطقة، وهو ما يلمح له السياسي المتابع والبارز الدكتور ممدوح العبادي، عندما يبلغ «القدس العربي» بأن الشظايا تسقط في مناطق أردنية؛ لأن أصدقاء الإسرائيليين الذين يقيم بعضهم عندنا يسقطونها. ما يشير إليه العبادي هو أن الصواريخ الإيرانية التي ضربت إسرائيل أو ستضربها لاحقاً، قد لا تسقط شظاياها وسط الأردنيين ما لم يتم إسقاطها في موقع يؤذيهم، لأن هدفها واضح.
هنا إشارة في الاجتهاد السياسي والإعلامي تتبع قواعد اشتباك عملياتية صعبة ومعقدة. وفيما كانت المؤسسات السيادية المختصة والمعنية تمتنع عن ذكر تفاصيل ما حصل ليلة الثلاثاء في الجزء الأردني منه حصراً، اجتهد سياسي ما في الحكومة وأبلغ محطة «سي إن إن» الأمريكية بأن الأردن ساهم في إسقاط بعض الصواريخ الإيرانية.
لا أحد يعلم بعد لماذا يتبرع مسؤول أو سياسي أردني بمثل تلك المعلومة، فالرأي العام لا يهتم أصلاً إلا بإظهار الابتهاج لقصف إسرائيل. والأردنيون ليلة الثلاثاء على الأربعاء رقصوا فوق أجساد بعض الصواريخ التي سقطت، ووجهوا التحية للجمهورية الإيرانية بصورة غير مألوفة، ما يظهر بأن الكتلة الشعبية والاجتماعية الأردنية أفقياً تدعم المقاومة، ولم يعد هناك ما يمنع تحولها لدعم المحور أيضاً.
الإحراج بمعناه العملياتي بسبب وجود القواعد العسكرية الأمريكية حصراً يطل برأسه في تصريحات وبيانات صدرت أو سحبت.
والصديق الأمريكي الذي يوفر الغطاء للعدوان الإسرائيلي برمته، هو في الاتجاه المعاكس تماماً لثوابت الأردن، وهو وضع معقد قد يحرم المؤسسات الأردنية ويعيق خطتها في عزل الجغرافيا عن الصراع بين إسرائيل وإيران.
تجتهد المؤسسة الأردنية، بوضوح ملموس، في حماية أرواح الأردنيين وممتلكاتهم، لكن قصة أن الأردن «لا ولن يتأثر»، تبدو برأي العبادي كذبة إعلامية أو سياسية في أسوأ أحوالها؛ لأن من يعبث بأطباق الجميع وحالة الأمن والاستقرار في المنطقة هو الإسرائيلي بمظلة أمريكية.