الأردن «غاضب في صمت» وبن غفير ينتقل من «الاستفزاز» إلى الإحراج والإيذاء
بعد دعوات الوزير المتطرف لبناء كنيس يهودي في صحن «الأقصى»
عمان ـ «القدس العربي»: مجدداً يذهب خصم الأردن الأبرز وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بني غفير، إلى مسافة أبعد ليس فقط بالمشاغلة والاستفزاز، ولكن في الإحراج والإيذاء هذه المرة، عندما يقترح بأنه قرر إقامة كنيس يهودي في باحة المسجد الأقصى.
صحيح أن رئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو أصدر بياناً استدراكياً ثم طلب من عمان ضمناً وعبر الأمريكيين الاعتماد عليه رسمياً، لكن صحيح ـ في المقابل ـ أن التحديات التي يفرضها طاقم اليمين الإسرائيلي بصورة محرجة على الاساسيات والثوابت الأردنية يزداد معدلها اليومي بطريقة تثير الاضطراب وتخدم المساحة التي يقترحها عدد كبير من رجال الدولة والسياسة في عمان منذ أشهر بعنوان التخشين بصورة عميقة أكثر ضد منسوب الإيذاء الذي يقترحه في التأزيم رموز يمين إسرائيل.
أوصلت عمان بعد إفصاح بن غفير عن نيته إقامة كنيس يهودي، رسائل مباشرة للإدارة الأمريكية بعنوان «لن نقبل ولن نسمح مهما تطلب الأمر».
رسائل… وإبرة تخدير
رد الأمريكيون بـ «إبرة تخدير» موسمية يلتزمون فيها بوعد جديد بأن تتغير الخارطة في حكومة إسرائيل قريباً ودون تحديد السقف الزمني لذلك، فيما لا تبدو عمان الرسمية واثقة تماماً بما تقوله إدارة الرئيس الأمريكي المصنف بأنه ضعيف، جو بايدن، خصوصاً مع خط المجاملات المريب أردنياً، الذي يتبعه وزير الخارجية أنتوني بلينكن.
لافت جداً للنظر في الأثناء وخلافاً للعادة، أًن وزارة الخارجية الأردنية لم تعلق على مدار يومين، على استفزاز الوزير ببن غفير بصفة رسمية، وبقي موقف الوزارة الأردنية هنا في سياق ما سبق أن أعلنه الوزير أيمن الصفدي من أن بلاده ستلجأ للمحاكم الدولية قريباً جداً ضد الإجراءات الإسرائيلية في القدس.
التزامن واضح ومقصود حتى من اليمين الإسرائيلي؛ فما قاله بن غفير أو قرره بخصوص الكنيس اليهودي في حرم المسجد الأقصى تصدر بعد 3 أيام فقط من إبلاغ الصفدي العلني بأن بلاده في طريقها للمحاكم الدولية تحت عنوان تدويل ملف القدس.
مناكفات بن غفير لا تقف عند حدود، ورسائلها ـ في رأي السياسي والبرلماني البارز الدكتور ممدوح العبادي، كما شرح لـ«القدس العربي» ـ ينبغي أن تقرأ بعناية بعيداً عن الزعم بعنصر المفاجأة، فهؤلاء الذين انتخبوا في الكيان تم انتخابهم على أساس أنهم معادون للأردن أصلاً.
بعد دعوات الوزير المتطرف لبناء كنيس يهودي في صحن «الأقصى»
كل المؤشرات ـ في رأي العبادي غيره من كبار المراقبين ـ تعزز القناعة بأن المواجهة بين الأردن حكومة وشعباً، وبين أطماع اليمين الإسرائيلي، حتمية ولم يتبق منها الا ما يلزمها من توقيت وسقف سياسي أو ما ينبغي لحكومة الأردن أن تفعله من زاوية الاشتباك أو من بوابة الرد في أقصى لهجة.
يسأل المراقبون بتكرار الآن في عمان: بعد أسطوانة الكنيس اليهودي في صحن المسجد الأقصى.. هل يكفي التلويح بخيار اللجوء إلى المحاكم الدولية؟
طبعاً سؤال صعب ومعقد، لكن منهجية اللجوء الأردني للمحاكم الدولية بحملة قانونية دبلوماسية صاخبة قريباً جداً، قد يكون الخيار المتاح الآن.
وخلفية الفكرة هنا هي قناعة مؤسسة القرار الأردنية بأن إسرائيل حتى وهي تطيح بمعادلات القانون الدولي برمتها، أصبحت كياناً منبوذاً في المجتمع الدولي أو «مدموغاً» وفقاً للتعبير الذي استخدمه رئيس الوزراء الأسبق الدكتور عون الخصاونة عندما سألته «القدس العربي» عن فوائد وصم إسرائيل بالاتهام بالإبادة في محكمة العدل العليا.
تقدير المؤسسة الأردنية ـ وقد قيل ذلك في مقرات سيادية مؤخراً ـ هو أن على إسرائيل دفع ثمن تشددها وإجرامها، وبأن الكاميرات ستتجول حتماً أو لاحقاً قريباً في قطاع غزة، وأن الأردن يملك كل الخبرة اللازمة لعزل اليمين الإسرائيلي في قنوات المجتمع الدولي والتأثير على المجريات من تلك البوابة. ذلك هو التصور حتى الآن، لكن ثمة من يقول إن إصرار اليمين الإسرائيلي على تقويض الوصاية الأردنية قد يتطلب إجراءات أكثر خشونة بكثير، لا بل بعضها عاجل أو مطلوب؛ لأن تجارب الجميع في الأقنية الدولية لا تحظى بصفة الاستعجال.
تجهيز الأوراق والرد
وثمة من يرى أيضاً أن الأردن في ملف القدس والأقصى سبق أن اعتبر علناً المساس بدوره ورعايته خطاً أحمر وبمثابة إعلان حرب، وهو ما يشير ـ في رأي بعض الأوساط الدبلوماسية العريقة ـ إلى أن عمان قد تذهب لمفاجأة الإسرائيليين في القدس من فرط جديتها بالتمسك برأيها، ومنع اليمين الإسرائيلي من حسم الصراع في القدس المحتلة وابتلاعها.
لا أحد طبعاً يعلم بعد ما الذي يعنيه ذلك. والامتناع ليومين متتالين عن إصدار بيان مباشر ضد فكرة بن غفير الجديدة، ليس مؤشراً على التساهل أردنياً أو التمرير، كما تقدر بعض الاجتهادات، بل قرينة على أن عمان مهتمة أكثر من العادة، وبدأت أو قد تبدأ قريباً ما لم يتدخل الأمريكيون بوضوح شديد وإجراء سريع، بتجهيز أوراق الاحتكاك في ملف القدس والمسجد الأقصى حصراً، والتي قد تصل ـ حسب بعض التأويلات والتسريبات ـ إلى دعم نادر ولأول مرة لأي خط شعبي من أبناء القدس يتحرك اعتراضاً أو ينتفض من أجل الأقصى.
ويمكن في السياق ملاحظة أن جماعة الإخوان المسلمين انفردت مجدداً بإصدار بيان حول الكنيس اليهودي المزعوم ومخاطره، فيما تصدر الواجهة الشيخ عكرمة صبري في أسلمة المشهد والتحذير من عواقبه وإنكار وجود أي حق لليهود بالصلاة في حرم المسجد الأقصى باعتباره الإمام المعتمد للمسجد وخطيبه والعضو بمجلس الأوقاف الأردني الأعلى، وإن كانت وزارة الأوقاف الأردنية بعمان لا تتعاون معه.
التنسيق في أي رد على الإيذاء الإسرائيلي الجديد يتطلب أو قد يتطلب تشبيك الأيدي مع الشيخ صبري وبقية القوى التي تمثل خط الصمود داخل القدس المحتلة.