الأردن: هل انتهى فعلا عهد التدخل في الانتخابات؟
مصلحه الأردنيين أن تولد من جديد الهيئة المستقلة لإدارة الانتخابات وبكل صراحة وبعيدا عن أي حسابات مجاملة
يسعدني حقا كمواطن أن أعيش اللحظة التي يعتلي فيها الرفيق موسى المعايطة تحديدا رئيس الهيئة المستقلة لإدارة الانتخابات منصة المايكرفون، لكي يعلن للعموم أن العهد الذي كانت تتدخل الحكومات بواسطته في الانتخابات النيابية والعامة انتهى وولى بلا رجعة.
تصريح مفرح وطنيا بكل حال الأهم فيه أنه يصدر عن المعايطة تحديدا الرفيق الأول منذ 9 سنوات لكل مسارات التنمية السياسية في البلاد داخل أروقة القرار، وصاحب التجربة الثرية في معرفة التفاصيل والاعتبارات والحسابات.
أغلب التقدير أن حديث الرفيق المعايطة وهو من ساير عملية الانتخابات أكثر من مرة ينطوي على إيحاء ضمني خصوصا في اتجاه بقول بنزاهة الانتخابات بعد مسار تحديث المنظومة السياسية في البلاد، وبعدما حصلت المؤسسات الرسمية الشريكة على كل ضماناتها ومساحتها في تجنب نتائج الديمقراطية السالبة لصلاحيات الدولة الخاصة والسيادية، سواء عبر تحديد المسارات في التمكين الاقتصادي والرؤية السياسية التحديثية أو عبر اللقاءات المغلقة التي جرت على المستوى السيادي وانتهت بتخصيص مساحة واسعة بعيدا عن الأحزاب والبرلمان والانتخابات لحسابات الدولة ومصالحها عبر مجلس الأمن القومي الذي نفترض أنه مؤسسة دستورية فلترية توفر الضمانات المطلوبة رسميا، حتى يبدأ الأردنيون بالتفكير بخياراتهم الانتخابية بحرية أو بأي قدر منها.
حصل المستوى السيادي على ما يريده ضمن نقاشات تحديث المسيرة التحديثية. وحصلت المؤسسات على حصتها من تحصين الصلاحيات، بصورة تجعل السلطة التنفيذية مستقبلا، إذا شكلت الأحزاب الحكومات منزوعة الدسم فيما يتعلق بخيارات الدولة الأساسية والمفصلية.
وبالتالي يمكن فهم ما يقوله رفيق مخضرم من وزن المعايطة حول انتهاء عهد التدخل بالانتخابات بروح إيجابية مطلقة.
مصلحه الأردنيين أن تولد من جديد الهيئة المستقلة لإدارة الانتخابات وبكل صراحة وبعيدا عن أي حسابات مجاملة
الرفيق عهدت عنه الدقة وسمعته شخصيا عدة مرات يقول.».ينبغي أن ننجح «. وعلى الأرجح لديه معطيات معلوماتية وضمانات مرجعية أن مسألة التدخل في الانتخابات انتهت فعلا وأن الانتخابات التي يفترض أن تظهر نتائجها مساء الأربعاء بعد إجرائها اعتبارا من صباح الثلاثاء، تمثل على الأقل أفقيا الحد الأعلى المطلوب، ليس فقط من متطلبات النزاهة والشفافية، ولكن من متطلبات عدم التدخل المباشر.
بمعنى أو بآخر ما قاله المعايطة هنا فيه جرأة ملحوظة ويستحق التصفيق وبطبيعة الحال كل من يريد الاشتباك إيجابيا مع المرحلة وتوجهاتها عليه أن يظهر الابتهاج بمثل هذا التصريح، فالرجل لم يكن من الممكن له تحديدا أن يعلن بكل هذه الصراحة أن عهد تدخل الحكومات انتهى لولا أن لديه توجيهات وتعليمات مباشرة في السياق.
ولولا أن الهيئة المستقلة لإدارة الانتخابات التي يديرها المعايطة أصبحت جسما دستوريا فاعلا يتطور في معرفته وخبرته وأدائه، ويحافظ على قدر كبير من الاستقلالية في العمل بعيدا عن السلطة التنفيذية وعن الحكومات المتعاقبة.
مصلحه الأردنيين أن تولد من جديد الهيئة المستقلة لإدارة الانتخابات، وبكل صراحة وبعيدا عن أي حسابات مجاملة، واضح تماما أن المهندس المعايطة قد يكون رجل المرحلة في هذه الهيئة الدستورية استثنائية الأهمية بمعنى أنه الرجل الذي يثبت أركان الهيئة المستقلة، ويعد الأردنيين بجسم دستوري فعال ومنتج مرتبط إلى حد كبير بمنظومة النزاهة والشفافية.
قد نبتهج أكثر إذا استطاع المعايطة لاحقا وبعد التثبت من جميع أركان ومؤسسات الدولة التصريح العلني أن عهد التدخل ومن كل الجهات الرسمية والبيروقراطية انتهى تماما، لأن خبراء الانتخابات يعلمون مسبقا بأن الحكومات بالعادة في الحالة الأردنية هي آخر من يعلم في مسألة الانتخابات والتدخل بشأنها.
وكلنا نتذكر رئيس الوزراء الراحل رحمه الله الذي صرح أن وزير الداخلية في حكومته هو الذي تدخل في الانتخابات، وكلنا يتذكر مديرا أمنيا متقاعدا وهو يتحدث علنا عن تمكنه من إيصال 70 عضوا الى البرلمان.
نقف مع المعايطة في اعتبار ذلك جزءا من الماضي ونتطلع مثله إلى المستقبل. لكن من المهم استذكار بأن الحكومات ليست هي الجهة التي تتدخل بالانتخابات، وإذا تدخلت فتدخلها محدود للغاية، وبما أن الارتقاء على مستوى منظومة الدولة برمتها حصل ورحب به الشعب الأردني، ونراهن عليه إيجابيا، من الشرعي القول إن الآمال العريضة بأن تلتزم بقية المؤسسات التنفيذية وأذرع الدولة جميعها بمعيار عدم التدخل في الانتخابات، الحاجة ملحة لتغيير القناعة والتقاليد في غرف العمليات، والحاجة ملحة لأن تلتحق الأذرع الوطنية البيروقراطية التي يحترم الجميع جهدها بمقولة المعايطة القائلة إن عهد التدخل في الانتخابات انتهى.
الانتخابات الجديدة محطة في غاية الأهمية لإضفاء المصداقية على خطاب من هذا الصنف نوجه التحية للمهندس المعايطة على تبنيه.
لكن واجبنا التذكير أن «المعايير القانونية» في منع التدخل ينبغي أن تطبق على الجميع وأن غرف العمليات هي جزء من منظومة دعم القانون والالتزام به، وليس العكس، والهيئة يتوجب أن تسترسل في الأعماق وتصبح صاحبة اليد الأطول.