اراء و مقالات

مغامرة «الانخراط» وفسيفساء المصالح الأردنية: «لا أوهام ولا ألغام»… والنخب «لا أحد يتحدث معنا»

عمان- «القدس العربي»: مسألتان ينبغي أن لا تسقطا من الحساب السياسي والتحليلي عندما يتعلق الأمر بتموقع الأردن الجديد في خارطة التوازنات والتقاطعات والحسابات الإقليمية.
المسألة الأولى هي تلك التي تختص باستراتيجية الرد على المخاطر والهواجس عبر تأكيد وتكريس الصداقة والتحالف مع الولايات المتحدة حصراً، وحتى بالمعنى العسكري الاستراتيجي تجنباً لكل المنزلقات والمنحنيات.
والمسألة الثانية هي تلك التي تختص بالمقابل وبصورة مرجحة بالبحث عن صيغة ما لا تقود إلى التكيف التام ولا إلى الصدام بنفس التوقيت مع استحقاقات وتداعيات الحالة الإسرائيلية المتطورة، وفكرتها المزيد من التأزيم على الأرض الفلسطينية المحتلة، كما هو متوقع في ظل انجراف المجتمع والدولة في مؤسسات الكيان نحو أعتى أنواع التطرف والتشدد.
لا أوهام ولا ألغام.. تلك القاعدة التي يسمعها كل من يسأل أو يستفسر أو يحاول قراءة بعض الممحو عند الاحتكاك بالمسؤولين والمستشارين التنفيذيين الذين يعلمون بعض وليس كل ما يجري، فيما تستمر بالتوازي شكوى نادي رؤساء الوزارات وكبار السياسيين بالعنوان الذي اختصره يوماً المخضرم طاهر المصري وهو يقول: “لا نعلم ما الذي يجري.. لا أحد يتحدث معنا”.
بكل حال، وفي زوايا أو تدوير زوايا المسألة الأولى، وخلال الأيام القليلة الماضية وعلى هامش لقاء تشاوري لمتقاعدين سياسيين في جمعية الشؤون الدولية، وأثناء محاولة الاستزادة من تحليل المشهد الإسرائيلي بعد الانتخابات- برزت مداخلة للمصري تحديداً تحاول تسليط الضوء على كلفة ومزايا ما يسمى بالانخراط الأردني.
بالنسبة لسياسيين كثر، الوجود العسكري الأمريكي الدائم الذي أصبح اليوم ضخماً في الأردن، هو من الملفات الغامضة والمجهولة، لكن الدلالة هنا واضحة الملامح على أن الاستمرار في بناء قاعدتين عسكريتين ضخمتين في الأراضي الأردنية هو الأثر الذي يدل على انخراط الأردني في ترتيب أمريكي ما.
وهو انخراط حمال أوجه، وأسوأ ما فيه -برأي القطب البرلماني صالح العرموطي كما أبلغ “القدس العربي”- أنه انخراط محجوب عن الشعب الأردني، وأقيم ويقام في الليل وعبر اتفاقية لم تناقش لا بالشكل ولا بالمضمون ولا بالتفاصيل مع مجلس النواب.
ثمة ما يريب في ترتيبات المسألة بالنسبة لصوت مثل العرموطي، لكن ثمة من يقول بكل اللهجات بأن العلاقة الاستراتيجية بين الأردن والولايات المتحدة وصلت إلى مساحات متقدمة جداً، وتعني -وفقاً للباحث السياسي والاقتصادي الدكتور أنور الخفش- الكثير من الآمال والكثير من الدلالات العميقة إذا ما أحسنت النخبة الأردنية أصلاً إدارة الاستثمار فيها. يتحدث العرموطي بالإشارة عن شرعية التحالف والأسباب، وشرعنه المسائل ما دام الأمر مرتبطاً بالمصالح العليا دون مبرر لإخفاء المعطيات.
ويتحدث الخفش بدوره عن مزايا وانعكاسات تحتاج إلى أدوات فاعلة تعيد الألق والحضور للدور الأردني، وتظهر بأن العلاقات مع الولايات المتحدة كانت جيدة، لكنها تصبح مستقبلاً عميقة واستراتيجية أكثر، ولعل واحدة -برأي الخفش- من أهم الرسائل في هذا المسار الاستراتيجي، هو أنه يتضمن جوهر الردع في إطار حماية مصالح الأردن وليس المساس بها، كما تقدر بعض الآراء السطحية.
ومفهوم حماية الأردن ومصالحه ومفاصله يشمل حتى اليمين الإسرائيلي إذا ما فكر يوماً بالعبث.
لكن اليمين الإسرائيلي -وهنا تبرز المسألة الثانية- جزء شريك في الانخراط على الأرجح، ومن يدفع الثمن -كما هو واضح برأي المصري- هي القضية الفلسطينية، مع أن الانخراط قد يجيب -برأي مراقبين آخرين- عن أسئلة دفاعية ووطنية أردنية عميقة تستند إلى المستجدات، وتبدو مقتنعة بأن الانخراط في اتفاقية دفاعية مع الولايات المتحدة من شأنه حماية المصالح العليا الأردنية، وبالرغم من وجود كلف وفواتير بكل حال من أي تداعيات سامة أو ضارة في مرحلة ما بعد كورونا والحرب الروسية الأوكرانية ومرحلة ما بعد المواجهة الغربية مع إيران، وبالأخص أيضاً مرحلة توقعات ذوبان الدور الأوروبي الصديق.
وحسب هذا السيناريو، يفقد الأردن دوراً مهماً للأصدقاء والشركاء في أوروبا، لكن أوروبا نفسها اليوم تفقد ذاتها.
وبالتالي، تصبح الاتفاقية الدفاعية وفي جزئية الانخراط الأردني فيها سلوك نحو ضمانات أكيدة لصالح بقاء الدور الأردني مستقبلاً حتى في اللحظة التي يمنح فيها الأمريكيون إسرائيل أو يمينها فرصة الاستمرار في مشروع تصفية القضية الفلسطينية.
الحسابات حرجة ومعقدة، فمن جانب يبدو الانخراط في ترتيبات أمريكية وإماراتية ثم مصرية وإسرائيلية في نهاية المطاف حكمة وتعقلاً وتعاملاً مع وقائع موضوعية.
ويبدو الشيء ذاته في جانب آخر مغامرة أو مجازفة كبرى تراهن على الاستمرار في سياسة ومدرسة خسارة النظامين الحاكمين في سوريا والعراق، والبقاء في حالة قطيعة مع دولة مهمة إقليمياً مثل إيران، وفي علاقات متقطعة وليست صلبة مع دولة أساسية مثل روسيا، بالتزامن مع بقاء البرودة في أوصال العلاقة مع تركيا.
خارطة توازنات ومصالح فسيفسائية من جهة الأردن، وانطباع النخبة التي تلاحظ أو تعترض هو أن الترتيبات ستكون أفضل ومنتجة أكثر لو تم إشراك الشعب الأردني فيها، ولو كان الوضع الداخلي محسوماً وليس محكوماً؛ بمعنى جبهة داخلية أمكن ومغامرات أقل بالأدوات، ومصداقية أوسع وأعمق للخطاب الرسمي.
بكل حال، تبقى مسألة الانخراط الأردني مجازفة بحد ذاتها، لكن دلالاتها تقول بأن الأردن في موقعه الطبيعي؛ فهو ليس السعودية وليس مصر، ولا يمكنه التعايش مع المنظومة الإيرانية وإن كانت القضية الفلسطينية ستبقى أساس الثوابت.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى