اراء و مقالات

الأردن: ذخيرة ضد «الإصلاحات»

الجبهة الداخلية الصلبة الموحدة بالإصلاح السياسي ومأسسة العمل القانوني ودولة القانون التي تحترم فيها السلطات والخيارات هي الجسر الوحيد للحفاظ على مصالح الناس والدولة في إقليم متلاطم

يقابلنا بعض دهاة السياسة والخبراء من الأردنيين بقهقهات ساخرة أو بعبارات تثبت حجم الملهاة السياسية، عندما نظهر قدرا من المرونة والإيجابية في تطبيق قواعد الاشتباك الإيجابي مع مسار تحديث المنظومة السياسية في البلاد، حيث أحزاب واعدة في الطريق وتجربة إصلاحية متدرجة وبطيئة صحيح، لكن يبدو أنها عميقة أو يفترض أن تتحول إلى عميقة وجذرية. وحيث انتقال بإتجاه هدف محدد مسبقا لا أحد يعلم بعد كيف يمكن أن يصل إليه المعنيون، وهو برلمان بأغلبية حزبية تعقبه حكومة بأغلبية برلمانية.
هذا هدف نبيل وقيمته مرتفعة ولا يمكن الاختلاف معه أو عليه. لكن يشكك فيه كثيرون في الواقع ويعتبرون الحديث عنه الآن أشبه إلى مزحة أو دعابة إلى حد ما قياسا بوعود الماضي.
من المرجح أن واحدا من أكثر المشاهد إيلاما هو ذلك الذي تقابل فيه في الدعوة إلى الجدية وافتراض حسن النية بالمؤسسات بهمهمات ساخرة من الطراز الذي يشكك بالإرادة السياسية أو يفترض بأن الحصان وضع أمام العربة مبكرا، عندما ابتكرت تعديلات قانونية في مسار تحديثي وإصلاحي دون حاضنة شعبية أو رافعة من الناس تشرح لهم الأفكار ويقترحونها هم قبل انتقالها إلى مستويات صناعة القرار.
بكل حال أميل إلى المنطق الذي يقول بأن السلبية والتردد وغياب اليقين والإصرار على التقاط السلبيات فقط في مشهد عام ووطني ومتفاعل يصبح مع التكرار عند الشطار وغيرهم أقرب إلى جزء من المشكلة ولا يمكنه إذا ما تحول الى أسلوب اشتباك وتفاعل أن يكون يوما جزءا من الحل.
وأميل شخصيا إلى الإيمان والتصديق بأن الإرادة السياسية هذه المرة قد تكون جدية، وأن حافلة مسار التحديث انطلقت بتذكرة بإتجاه واحد، ورغم ما تشيعه هذه المقاربة حول الحافلة والاتجاه الواحد من تفاؤل وتحفيز وتشجيع، إلا أنها تحمل في طياتها انطباعا مسبقا بأن الحافلة أمامها مادام قد انطلقت إما إكمال طريقها إلى خط النهاية المرسوم الذي يرضي القيادة والشعب أو الاصطدام أو الانقلاب أو حتى مصافحة حدأ الوديان، والحد الأدنى تعرضها لحالة تستدعي مجددا جنرال البناشر على طريقة السلطة الفلسطينية.

الجبهة الداخلية الصلبة الموحدة بالإصلاح السياسي ومأسسة العمل القانوني ودولة القانون التي تحترم فيها السلطات والخيارات هي الجسر الوحيد للحفاظ على مصالح الناس والدولة في إقليم متلاطم

نأمل لحافلتنا الوطنية أن تكمل طريقها ونصفق لدعاة الإيجابية والتشبيك وإقتناص الفرصة والبناء عليها، ونتفهم ذلك المنطق والسيناريو الذي يقول بالإيجابية على أمل التعديل والتغيير من داخل التجربة وإن كنا نفهم ونرصد تلك الآهات والتألمات التي تنتج عن تصرفات إجرائية وبيروقراطية وسلوكيات لا تبدو بالنسبة لبعض مؤسسات القرار مؤشرا على انسجام مع الرؤية والتحديث.
صحيح أن الهدف كبير ونبيل. صحيح أن المطلوب كبير، وأن من أراد مسبقا التشكيك لديه ذخيرة يومية الآن تنتجها دوائر في الصف الرسمي مع ذرائع طبعا ودوما يمكن الاستغناء عنها. لكن الصحيح أيضا أن المواطن الأردني عليه أن يبدأ ويفهم أن البقاء في السلبية والتشكيك قد لا ينطوي على خدمة من أي نوع لا له ولا لمصالحه ولا لمصالح الشعب عموما.وأن المعروض اليوم مقاربة يمكن تطويرها مستقبلا وعلى المؤسسات الرسمية حراستها.
وبالتالي الاشتباك معها بنوايا إيجابية أفضل بكثير من الوقوف على محطة الظلام ولعنه دون إشعال أي شمعة مع إيماننا المطلق طبعا بأن الواجب الرسمي لإقناع الناس أولا وفرض مصداقية الرؤية والمسار ثانيا على الدولة ومؤسساتها لأن على الموظف العام اليوم، بصرف النظر عن رتبته، يمكنه فرض إيقاع يحترم الرؤية ويثبت اندفاعه نحوها بلا تراجع أو هوادة ودون تودد أو إشارات معاكسة ونجزم بأنه إذا حصل ذلك ستختلف المعايير، كما نجزم بأن فصام المعايير وفعاليات الهندسة من المثبطات التي ينبغي الانتباه بمسؤولية وطنية وأخلاقية لوظيفتها في إنتاج السلبية والتردد والتشكيك.
أملنا كبير في أن تدرك دوائر صناعة القرار التنفيذي بعد الآن بأن عين المواطن الأردني البسيط تراقب كل المعطيات وأن حضنه وعقله وقلبه مواقع مفعمة بالوعود التي تبين لاحقا زيف بعضها أو عدم إمكانية تنفيذها. وأن صورة عمليات أساسية ومفصلية في الحوار السياسي العام مثل إجراء الانتخابات العامة وحرية المواطن في اختيار ممثليه وحرية العمل الحزبي شابتها الكثير من العيوب والتدخلات والمسائل غير الودية أو الإيجابية.
ندرك مسبقا أيضا بأن الحمل كبير على الدولة وعلى صناع القرار وبأن الجبهة الداخلية الصلبة الموحدة بالإصلاح السياسي ومأسسة العمل القانوني ودولة القانون التي تحترم فيها السلطات والخيارات هي الجسر الوحيد للحفاظ على مصالح الناس والدولة في إقليم متلاطم.
نصفق للإيجابية وندعو لها ولا تعجبنا تلك التعليقات الساخرة بين الحين والآخر، لكن نقترح على كبار المسؤولين التنفيذيين وفي مختلف الدوائر الرسمية أن يتوقفوا بعد الآن تقديرا وإحتراما لنبل الرؤية والمسار عن تذخير أو تزويد الساخرين الذين يمدون ألسنتهم لنا أحيانا بذخيرة تبرر وتنتج ذرائع لممارسة السخرية ووضع عقبات وسيناريوهات قد لا تكون موضوعية أو دقيقية. قليل من الجدية المفرطة مفيد هنا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى