اراء و مقالات

الأردن في انتظار «التقرير الأسوأ»: صراع يطيح بسمعة «الوطني لحقوق الإنسان»… وتجاهل رسمي

عمان – «القدس العربي» : يعكس مستوى وحجم الاهتمام بالفوضى التي اجتاحت المركز الوطني لحقوق الإنسان في الأردن، حقائق ووقائع الانحيازات الرسمية ليس فقط تجاه هذا المركز المهم جداً، لكن تجاه احتمالات الإعلاء من شأن وقيمة ملف حقوق الإنسان.
الانطباع على هامش التواصل الأمريكي والغربي الأردني مؤخراً، يشير إلى أن ملف الحريات العامة بدأ يتصاعد على نحو أو آخر، وثمة من يزعم اليوم بأن شبكة التواصل مع أصدقاء الأردن في الكونجرس الأمريكي تحديداً تأثرت سلباً بالتقرير الأخير والمهم جداً لمنظمة «هيومن رايتس ووتش».

«تقرير مقبل هو الأسوأ»

وثمة من ينصح الحكومة الأردنية بالانتباه جيداً بعد الآن لتلك الانحيازات التي تظهر وسط أعوان رجال الكونغرس واللجان الشبابية في الحزب الديمقراطي الأمريكي الحاكم.
سواء أعجب ذلك مسؤولين في الحكومة الأردنية أم لم يعجبهم، يصر المحلل الاقتصادي الخبير الدكتور أنور الخفش وهو يتحدث لـ»القدس العربي» عدة مرات عن هذا الملف على أن دولة صديقة وتحتاج لمساعدات الولايات المتحدة الأمريكي لا يمكن لطاقمها السياسي والاقتصادي إغفال التحولات التي تهتم بملفي الإصلاح الديمقراطي والحريات، خصوصاً في طبقة نخبة الجيل الشاب النشط في الحزب الديمقراطي الأمريكي. لا أحد – في رأي الخفش وغيره من مسؤولي المشهد الأردني المحلي – يمنح هذا الملف الاهتمام الكافي، ولا أحد يريد الإقرار رسمياً بأن سمعة ولاحقاً مصالح البلاد يمكن أن تتضرر مع توافق جميع الدوائر الرسمية، بما فيها مؤسسات الدولة العميقة، على أن التقرير الأخير لمنظمة «هيومن رايتس ووتش» انتقل في تشخيص حالة الحريات الأردنية إلى منسوب غير مسبوق، وبالتأكيد إلى مناطق حساسة.
هذه العبارة التي وردت على لسان ناشط حقوقي مسيس، تحدث في المسألة مع «القدس العربي» وتستشيره الحكومة الأردنية بين الحين والآخر، الأمر الذي يعني أن إشارات تصدر عن منظمة «هيومن رايتس ووتش» توحي بأن تقريراً جديداً في الطريق، فيما يلفت نظر الجميع أن المكتب المختص بملف حقوق الإنسان في مقر رئاسة الوزراء في الثلاجة منذ سنوات طويلة، ويلفت النظر أكثر إلى أن وزارة الخارجية في عهد الوزير الحالي أيمن الصفدي، أحد دعاة حريات التعبير في الماضي، تلتزم بسياسة عدم التعليق ولا حتى الرد أو التوضيح.
في المقابل، لا أحد يعلم بعد ما هي الخطوة التالية لبعض المنظمات الدولية الحقوقية المهتمة بملف الحريات الأردني، فالأنباء الواردة من سفارة المملكة في واشنطن توحي بحصيلة غير وفيرة من المعلومات والتقديرات، وبحجم من الارتباك عند الطاقم الدبلوماسي الذي يشعر بعض أركانه بالحرج جراء تسليط الضوء وبصيغة منهجية اليوم بين الحين والآخر على ملف الحريات، مع أنه لم يكن من ملفات الضوء بالنسبة لهموم وانشغالات الــدولة الأردنية.
وحده قبل غيره، يلتقط مدير الأمن العام الأردني الجديد اللواء عبيد الله المعايطة، ما هو جوهري في المسألة، فيصدر تعميمات وتوجيهات للطاقم العامل معه تحت عنوان الالتزام بالمعايير القانونية تماماً في مسائل إجرائية صغيرة بيروقراطياً، لكنها كبيرة في تأثيرها السياسي على ملف حقوق الإنسان والحريات. من بين تلك المسائل الإجرائية تفصيلات لها علاقة بالجلب والاعتقال والاستجواب والتحقيق ومراعاة السلامة القانونية في أماكن الاحتجاز والسجون والحرص على عدم المخالفة.
حصل ذلك طبعاً، وكان من أولويات اللواء المعايطة بعد حادثة شهيرة قرعت جهاز إنذار قوامها تشكيل لجنة تحقيق بظروف وفاة سجين «زيد دبش» موقوف دون تهمة محددة قبل نحو 3 أسابيع داخل السجن، حيث تحدثت عائلته عن تشوهات في جثته.
ويحصل فيما شكلت لجنة مهنية للتحقيق في ظروف سجين آخر كان مطلوباً بتهمة المخدرات، ويبدو أنه كان يعاني من حالة صحية حرجة، ثم أعلن الأمين العام عن تحقيق لدى ادعاء محكمة الشرطة بمضمون شكوى لسائحة أجنبية ادعت تعرضها للاعتداء. كل تلك القضايا مثارة الآن، ويتكفل بإجراء التحقيق فيها جهاز مختص في الأمن العام فقط.
لكن وزارة الخارجية لا تقول شيئاً محدداً في الاشتباك مع التقارير الدولية والتي بالغت وأفرطت في ملاحظاتها التفصيلية مؤخراً، والطاقم المعاون لوزير الداخلية لا يبدو معنياً بدوره بتوجيه أي رسائل للمجتمع، تؤسس لضمانات محتملة في مجال حقوق الإنسان.
بوضوح، لا تبدو الحكومة مهتمة أصلاً، لكن لا أحد يعلم متى ينبغي أن تضطر للاهتمام لاحقاً، ولا أحد يعلم حجم الفاتورة والكلفة التي ستدفع جراء القصور الشديد والواضح، على حد تعبير الحقوقي والدبلوماسي البارز الدكتور موسى بريزات، كما فهمت «القدس العربي» مستقبلاً، سواء في الداخل أو الخارج.
مظهر القصور الأول والأبرز هو السماح بصورة غريبة بانفلات ملف التصدع الذي يجتاح أهم مؤسسة حقوقية رسمية اليوم، وهي المركز الوطني لحقوق الإنسان، صاحب الفضل والدور الكبير سابقاً، وفقاً لبريزات وغيره، في إظهار ولو الحد الأدنى من الحرص على ثقافة حق الإنسان الأردني واحترامه.

أمر مقلق

ما يجري في بنية المركز الوطني اليوم مقلق وغير مسبوق، فقد دخل المركز في حالة اضطراب قبل وبعد إقرار تعديل على قانون الأحزاب يمنع الحزبيين من تسلّم إدارة المركز، الأمر الذي أطاح قانونياً بوظيفة رئيس مجلس الأمناء الداعية الإسلامي «الإخوانيّ سابقاً «الشيخ الدكتور ارحيل الغرايبة، وأدخله بعد التقدم باستقالته في حزمة صراعات، فيما تجمد العمل حقاً داخل المؤسسة الوحيدة التي منحت للأردنيين سابقاً لعدة أهداف أقلها التفريغ السياسي.
قيادات حقوقية بارزة أحيلت للقضاء ضمن موجة الانفعالات تلك، وبتهم جنائية هذه المرة. وهي اتهامات التصور العام جازم بعدم وجود أساس صحيح لها، وموظفون في حالة رد فعل واحتجاج على بوابات مركز كانت وظيفتهم فيه هضم واستيعاب واستقبال شكاوى المواطنين العاديين، فتحولوا كموظفين إلى ضحايا، ويقولون إن حقوقهم تنتهكها الإدارة. والإشكال ليس فيما يحصل في «الوطني لحقوق الإنسان»، لكن في الصمت المريب عما يحصل، وفي التراجع الحاد ليس في الحريات فقط، لكن في حصتها مع حقوق الإنسان لدى عقل وانشغالات نخب الدولة.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى