مقالات وآراء

كيف قرر الأردن مواجهة التحدي الأكبر؟

 

 إذا ما تطور الموقف الرسمي الأردني فعلا إلى مستوى التحدث العلني مرجعيا عن صفقة القرن باعتبارها مؤامرة على الدولة يشارك فيها جيران من العرب، فإن الحديث عن شعور الأردن على المستوى المرجعي بالخطر سيصبح أساسيا في المعادلة إلا إذا ما كان التصعيد في الخطاب الرسمي يعكس مسافة ما بين الممكن والواقعي والمطلوب.

وفقا لرواية منقولة لم يتوقف عندها الجميع في عمان، فعلى هامش لقاء للملك عبد الله الثاني بأهالي محافظة عجلون، برزت اللغة التي تعتبر تعبيرا عن قلق الأردنيين جميعا صفقة القرن مؤامرة.

 في تراتبية الذهن الأردني اليوم وتحديدا عندما يتعلق الأمر بالمزاج الشعبي والعقل الجمعي كل ما يحصل من صغير أو كبير وفي كل المسارات له علاقة بتلك المؤامرة في الوقت الذي يصر فيه مراقبون سياسيون على أن الأردن شاء أم رفض قد لا يستطيع مقاومة الاتجاه المقبل باسم صفقة القرن وكل هوامش المناورة أمامه محصورة في التمسك بالثوابت خصوصا تلك المتعلقة بالقدس.

 لا يخفي كبار الساسة ومن بينهم عدنان أبو عودة وطاهر المصري وغيرهما أن الدور الأردني في رعاية القدس والمقدسات والمسجد الأقصى ومجمل مصالح المملكة قيد الاستهداف في كل الأحوال مع موجة ترتيبات جاريد كوشنر وصفقة القرن.

 يبدو جليا للجميع اليوم ومن الزاوية الأردنية أن فكرة المؤامرة إن كانت موجودة فعلا معادلها الموضوعي الأقسى على الأردنيين هو عزل القدس عن مسار التفاوض وأي ترتيبات للسلام، الأمر الذي يعني بروز تهديدات مباشرة هذه المرة ليس لدور الأردن في رعاية المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس ولكن للوصاية الهاشمية بصورة حصرية.

المؤامرة الأساسية في هوامش ما يسمى بـ”صفقة القرن” تتمثل في محاولة أصبحت تثير القلق لنزع القدس من عباءة الوصاية الهاشمية والضغط على الأردن وتقليص دوره الكبير إلى أضيق مساحة ممكنة في عملية ابتزاز سياسية واضحة لا يمكنها أن تنجح في حال وجود سند عربي للأردن ودوره.

 المشهد الأردني في القدس معقد فعلا ووزير الأوقاف الدكتور عبد الناصر أبو البصل قال أمام “القدس العربي” مباشرة إن بلاده لا تتحدث عن المعركة اليومية التي تخوضها مع سلطات الاحتلال في ثنايا وزوايا الحرم المقدسي ملمحا إلى أن الظهير الفلسطيني والعربي من عوامل النقص لتعزيز دور الأردن.

 شعور عمان الكبير بتهديد حقيقي لدورها في القدس والمسجد الأقصى دفع سلطتها إلى أقصى مسافة ممكنة حتى الآن في التنديد والشجب والاستنكار.

 استدعي السفير الإسرائيلي في عمان رسميا وتم ابلاغه بالاحتجاج وتسليمه مذكرة. لاحقا ظهر بعد أسبوع من اقتحام المستوطنين لباحة المسجد الأقصى وليس الحرم المقدسي وزير الخارجية أيمن الصفدي ليجدد الموقف العلني الذي اتخذه الملك عبد الله الثاني قائلا إن القدس “خط أحمر”.

لم يقل الوزير الصفدي للرأي العام كيف وبأي الوسائل بصورة محددة سيحافظ على الخط الأحمر، لكن المؤسسة الأردنية تبدو مستعدة للاشتباك والانقضاض سياسيا ودبلوماسيا خصوصا إذا ما قرر اليمين الإسرائيلي المضي قدما بتأزيم الأجواء في حرم المسجد الأقصى حصريا حيث طالب وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي بأن يصلي اليهود في المسجد الأقصى وساحاته وهو خيار لم يسبق أن دخل في نزاع أو صراع طوال تاريخ القضية الفلسطينية.

إذا تمكن اليمين الإسرائيلي من توفير غطاء أمريكي لقصة صلاة اليهود في حرم المسجد وليس القدس فقط أو عند حائط المبكى تكون الوصاية الهاشمية الأردنية أمام اختبار قاس وعنيف بكل المواصفات والمقاييس.

وهو اختبار لم تختر عمان مواجهته ومن الواضح في السياق التكتيكي أن الأردن الرسمي يستعد لحالة من هذا النوع تستفز واحدة من أعلى وأهم المصالح الأردنية وتنتهك الخط الأحمر الذي يتحدث عنه الوزير الصفدي.

طبعا لا توجد ضمانات للنجاح لكن المواجهة بدأت مع تصعيد البرلمان الأردني اتجاهات جديدة ليس فقط ضد اتفاقية وادي عربة والمطالبة بإلغائها ولكن أيضا ضمن سياق السماح لأعضاء في مجلس النواب بطرح شعار “الزحف إلى فلسطين”.

وكذلك ضمن سياق مواز يدعو فيه أعضاء برلمان لأول مرة إلى التجمع نصرة للمسجد الأقصى في منطقة الأغوار صباح الجمعة وهي فعالية جاذبة بطبيعة الحال للشارع ويمكنها ان تصعد بالموقف الشعبي الأردني إذا ما تحالف معها الإخوان المسلمون الذين يجدون بدورهم في ملفي القدس والأقصى نقطة شراكة أساسية يمكن أن تؤدي لمصالحتهم مع النظام والدولة.

 وقد عبر عن ذلك لـ”القدس العربي” الشيخ مراد عضايلة أحد أقطاب الجماعة الإخوانية عندما قال إن الحركة الإسلامية خلف الملك ومع الوطن والدولة في الخط الأحمر عندما يتعلق الأمر بالقدس والمسجد الأقصى.

خيارات الأردن ضيقة لكن لا يستهان بها إذا ما وفرت دول عربية والولايات المتحدة الغطاء اللازم لتمرير ترتيب جديد ينتقص من الوصاية الهاشمية ويحاول المساس في الرعاية الأردنية للمسجد الأقصى تحديدا وحصريا.

 لم يعد سرا في كواليس عمان السياسية أن التكاتف مع الأحضان التركية والقطرية وتحويل البوصلة في الاتجاهين بين الخيارات، ولم يعد سرا أن الأردن يمكن أن يقفز إلى الأمام حتى باتجاه العراق وإيران ردا ليس فقط على مشروع تهميش دوره في القدس والأقصى ولكن على ما يبدو انه اليوم تقويض لهذا الدور.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى