اراء و مقالات

الأردن: الأحزاب وتكريس دولة القانون والمؤسسات

ينبغي أن تبدأ المصالحة الاجتماعية والسياسية مع الأعمال الحزبية. ومن لا يقول بذلك سيسعى مجددا إلى تقديم العمل الحزبي بصفته رافعة للحصول على مقعد برلماني فقط

لا نحتاج لتعزيز الحزبية في الأردن لأي امتيازات خاصة من صنف تلك التي يحصل عليها بعض المواطنين والشرائح الاجتماعية بصيغة تقول للجميع بغياب العدالة والإنصاف وبهامشية فكرة المعيار القانوني الواحد.
الحزبيون هم الأقل حظا وعددا في الأردن اليوم.
رغم ذلك لا حاجة لهم إلى خصومات على فواتير الماء والكهرباء ولا على تذاكر الطيران ولا حاجة لهم لكوتا انتفاعية من أي صنف أو لمقاعد مجانية في الجامعات وحتى لا حاجة لهم لحزمة إعفاءات طبية على طريقة أعضاء مجلس النواب.
كل تلك الخدمات التي تخصصها الحكومة وأحيانا الدولة من باب الاستثناء هي القرينة الأهم على غياب دولة المؤسسات والقانون وعلى عكس كل ما له علاقة بمضمون تحديث المنظومة السياسية في البلاد.
وبالتالي هي عكس منهجية المواطنة كما نفهمها حيث واجبات على المواطن وخدمات أساسية تقدم له بالمقابل لا بل حقوق من بينها بعض مظاهر الرفاه الاجتماعي وحرية السفر والتنفس والكلام.
باسم الحزبيين الجدد والذين تقول الأرقام إن عددهم في مجتمعنا لا يزيد عن 1 في المئة نتسامح مع أي امتيازات استثنائية خاصة وندعو الأحزاب بالمقابل طبعا لأن تختصر علينا جميعا مساحة اللت والعجن والمراوغة والاقتراحات غير المفهومة وحتى مسافة البرامج لكي ترفع جميعها بدون استثناء بعد الآن شعارا واحدا لا غير هو ذلك الذي يعلي من شأن المواطنة ويكرس دولة القانون والمؤسسات.
إذا فعلت أحزابنا القديمة والجديدة ذلك سنصفق لها وأراهن شخصيا بأن نسبة الـ 1 في المئة وفي تجربة الانتخابات الأولى المقبلة إذا ما لفظت الأحزاب المال السياسي تحديدا في ترسيم هيئة وصورة قوائمها الانتخابية ستزداد الى 10 في المئة في المرحلة الأولى.
ذلك رهان صعب فقد سمعت شخصيا في جلسة اجتماعية مثيرة مقاولا شابا من محدثي النعمة يتحدث عن إصراره على أن يكون في الرقم الأول ضمن قائمة مرشحي أحد الأحزاب الكبيرة مقابل استعداده لدفع مبلغ مطلوب وبإلحاح عند الأحزاب الفقيرة ماليا والتي تضخمت في اللجان والمقرات.

ينبغي أن تبدأ المصالحة الاجتماعية والسياسية مع الأعمال الحزبية. ومن لا يقول بذلك سيسعى مجددا إلى تقديم العمل الحزبي بصفته رافعة للحصول على مقعد برلماني فقط

مؤسف جدا أن يعتقد مغامر ما جاهل على الأغلب ولا تربطه صلة بالعمل السياسي بأن أمواله يمكن أن تجلب له مقعدا باسم الأحزاب.. ذلك خطر داهم وكبير لا بد أن ينتبه له قادة وكوادر الأحزاب الجديدة لأنه بكل بساطة سيعيدنا إلى ما وراء الوراء سنوات ضوئية بعدما تبلل الحلق قليلا ببعض الأفكار الديمقراطية أو بتلك المقترحات عن التمثيل الأفضل في البرلمان.
الأثرياء عموما لا نراهن عليهم في العمل الحزبي.
لكن نصفق مرة أخرى لأي افكار حزبية تلفظ الاستثناءات فهي دليلنا أصلا على أننا كأردنيين في الاتجاه الخاطئ وإلى أن يتسنى لنا تجاوز المحاصصات والكوتات والخدمات والمكرمات الاستثنائية على الأحزاب والحزبيين إثبات قدرتهم في الانتقال إلى خط إنتاج جديد وطنيا يبنى فيه أساس المواطنة على ركني الحق والواجب.
وعليه لا حاجة لنا بأحزاب تبحث عن خصومات أو تدعي رغبتها في تنظيم الإعفاءات الطبية لأن الأصل مثلا هو أن كل مواطن أردني لديه غطاء وتأمين طبي ويستطيع الحصول على العلاج ولأن تأمين الخدمات الأساسية بما فيها التعليم والمياه والكهرباء وبأقل الأسعار الممكنة هو الحد الأدنى من واجبات عشرات النخب والأدوات والرموز التي اعتلت أكتاف الدولة والمؤسسات باسم الشعب والتمثيل والمحاصصة وتهدم بقرارات بائسة ملايين الدنانير أو تصر على التصرف وكأن الأردن دولة نفطية.
ما يمكن أن نقدمه جميعا للحزبيين ليس تسهيلات للحصول على مقاعد برلمان مضمونة فقط، وليس استثناءات هنا أو هناك بل الاحترام والحرية ودونهما عمليا لا وعود بعمل حزبي وطني حقيقي.
طبعا هذا خطاب متزيد وفيه بعض الإغراء والتشجيع والتحفيز لكنه مبالغ فيه لأن دوائر السلطة هي التي تسيء أكثر من غيرها للعمل الحزبي وهي التي تشوه الحزبيين ولأن ممارسات أكثر من 6 عقود إدارية جعلت العمل الحزبي مكروها وسط المجتمع لا بل صورته بأنه مغامرة أو مجازفة، الأمر الذي يبرر بطبيعة الحال النسبة المتدنية جدا والبائسة بقيمة 1 في المئة من المجتمع من الراغبين بالعمل الحزبي.
من كتم الأحزاب لعقود وشوه مسيرة العمل الحزبي واجبه اليوم قبل غدا أن يعمل على تصفير العداد والاستدراك ويجتهد في اتجاه إعادة ترميز الأمور ووضعها على سكتها الحقيقية.
خصوم الأحزاب في الإدارة هم السبب الرئيسي وراء ندرة عدد الأردنيين الراغبين بالعمل الحزبي.
من هنا ينبغي أن تبدأ المصالحة الاجتماعية والسياسية مع الأعمال الحزبية. ومن لا يقول بذلك سيسعى مجددا إلى تقديم العمل الحزبي بصفته رافعة للحصول على مقعد برلماني فقط. ذلك هو السيناريو الأسوأ والمرعب والمقلق.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى