الأردن: لماذا «يضيق صدر» المؤسسات؟
الكيد للناس وسجن أصحاب الرأي والضغط على الرأي المختلف فلسفة لا تشبه الأردن الذي يعيش فينا لا نعيش فيه

كيف ومتى ولماذا يضيق صدر المؤسسات في الحالة الأردنية إلى حدود لم يألفها المشتبكون مع القضايا الوطنية منذ عقود؟
سؤال أصبح لزاما على المخلصين والأوفياء مهنيا ووطنيا تحصيل إجابة توافقية عليه، بدلا من الاسترسال والغرق في تبادل التشكيك والاتهامات. الأردني لم يألف في ماضيه ومن أيام الآباء والأجداد الاعتقال أو التوقيف بسبب رأي سياسي أدلى به أو بسبب موقف أزعج حكومة أو موظفا في الدولة.
الأردني عموما يتغذى على الاحتكام الشديد للدولة والمؤسسات. لا بل يعتبرها رصيده في الإطار الوطني وأي استمرار في التغاضي عن حقائق ووقائع العلاقة العقدية العفوية بين المواطن ودولته لسبب مؤقت أو لصالح ارتجال عشوائي في لحظة ارتياب لا مبرر له ويمكن الاستغناء عنه. تغيير العادات والتقاليد الراسخة خصوصا عند العقل الجماعي للأردنيين أمر حساس وخطر ومكلف.
الحكومات يتوجب عليها تحمل مسؤولياتها الأخلاقية والوطنية في تجنب المساس بتلك التقاليد الوطنية الموروثة. قيم الإنصاف والعدالة والتسامح والمرونة أساس ألفه الأردنيون في مؤسساتهم، ووجود مواطن نقي يتجنب إيذاء مصالح الدولة هو أساس المعادلة في طرفها الشعبي.
نقول ذلك ونحن نراقب ما يفعله في الدولة والمجتمع أكثر مع الوقت قانون الجرائم الإلكترونية الجديد حيث فرصة تعسف ملحوظة أحيانا ضد أصحاب الرأي وبلا مبرر، وحيث صمت عند التطبيق بيروقراطيا ضد أفراد يفترض أن القانون صيغ لضبطهم.
قامات في الإعلام والرأي حبست وسجنت جراء تطبيقات قانون الجرائم الإلكترونية ومحاكمات بالجملة تجري الآن.
مسطرة القانون يتوجب أن تطال الجميع طبعا ودوما. لكن في بند العادات والتقاليد الراسخة ممارسات للسلطة في تطبيق القوانين تأخذ بالاعتبار العديد من العناصر وتتقصد البقاء في في أبعد مسافة ممكنة من التعسف في استخدام نصوص القوانين أو من الشخصنة خلافا لاستعمال بعض النصوص أحيانا لمعاقبة صاحب رأي على رأيه وهو ما لا يألفه الأردني في دولته ومؤسسته في كل الأحوال.
لا أحد يمكنه الاعتراض على تطبيق القانون. ولا أحد ينبغي أن يقترب لأي مسافة من سيادة واستقلال القضاء. لكن انحيازات الإدارة والأفراد التعسفية مسألة مختلفة.
الكيد للناس وسجن أصحاب الرأي والضغط على الرأي المختلف فلسفة لا تشبه الأردن الذي يعيش فينا لا نعيش فيه
خطوات ما قبل التقاضي تبقى في دائرة اجتهاد موظفين أو مسؤولين في أجهزة تتبع الحكومة.
هنا تكمن أهمية الحرص على تجنب أي حالة من الاستهداف لأن الإصرار على التوسع في تطبيق القوانين ونصوصها الغليظة ضد أصحاب الرأي تحديدا أو لأغراض معاقبتهم على مواقف عبروا عنها مسألة يتوجب أن تحسم بعناية فائقة.
النمط المتعسف والثأري في إدارة وتوجيه تطبيق النصوص القانونية يمكن أن يسحب من رصيد الدولة عند الناس في كل بساطة، خلافا لأنه يساهم طبعا وبالتأكيد في المساس بسمعة الحريات العامة في الأردن رغم أن تلك السمعة في آخر سلم اهتمامات الحكومة الحالية.
تطبيق القوانين مسألة والسماح بنفاذ مسارات شخصانية أو كيدية قبل تطبيقها مسألة أخرى تماما. قانون الجرائم الإلكترونية فوضوي ويحتاج إلى مراجعة وبعض نصوصه المطاطة يجب أن لا تستخدم تعسفا خلافا لأن النص واجب عليه التفريق ما بين إساءة واضحة في التعبير دوافعها شخصية أو مرضية وانتهازية وأخرى تندرج ضمن قوائم التوصيف والتشخيص الذي ينشد المصلحة العامة.
قانون الجرائم الإلكترونية يمكن ـ وقد ثبت ذلك عمليا ـ أن يتحول إلى سيف مسلط على الحريات والمؤسسة التي تغضب هنا أو هناك ومعها الموظف الذي يعجبه أو لا يعجبه سيجدان في نصوص القانون عندما يرغبان ما يخدم في معاقبة أي كاتب أو صاحب رأي حتى عبر تقنية الشكاوى الفردية التي يوجب القانون نظام العدالة على التحقيق فيها.
ليس جيدا إطلاقا لسمعة البلاد والعباد أن يرى الأردنيون بعض أطيبهم وأكثرهم ثقافة وفكرا وزهدا بالامتيازات خلف قضبان السجون لا لسبب واضح، ولكن لأن نصوص القانون المشار إليه تتوسع في السماح بالاجتهاد فيما يرتع التأزيميون بالوظائف والمساحات والامتيازات.
لا مصلحة لنا بأن يشعر أصغر مواطن بأنه يخشى التعبير عن رأيه بسبب تشريع يتربص به، وعلى العكس تماما الدولة هي التي تستفيد من إظهار الأردنيين لآرائهم مادامت متزنة ووطنية أو مادامت تعترض وتختلف مع الاجتهاد الرسمي بدون إساءة.
واضح ومتفق عليه أن التعسف أنتج معارضين وهم ليسوا كذلك وخلط الحابل بالنابل ولم يعد ذلك التشريع الذي خطط من وضعوه لوظيفة نبيله له هي حماية المجتمع والوطن من إساءات الشبكة إلا مصيدة لقامات وطنية لديها وجهة نظر.
القانون لا يميز بين معلق منحرف وبين صاحب رأي في المجتمع ينصح ويرشد ولديه وجهة نظر تبقى مفيدة حتى وإن أزعجت الحكومة والسلطات.
الكيد للناس وسجن أصحاب الرأي والضغط على الرأي المختلف فلسفة لا تشبه الأردن الذي يعيش فينا لا نعيش فيه…عليه اقتضى التنويه مجددا.