الأردن يكرر تأكيد «حياده السيادي» إذا ما توسع الصراع العسكري إقليمياً
وسط انتهاكات اليمين الإسرائيلي المتطرف وأصوات طبول الحرب في المنطقة
عمان ـ «القدس العربي»: يمكن ببساطة رصد وملاحظة تكثيف وتكرار المسؤولين الأردنيين لتصريحاتهم السيادية بعنوان «أبلغنا الإيرانيين والإسرائيليين» مباشرة بعد الزيارة التي قام بها مؤخراً وزير الخارجية أيمن الصفدي إلى طهران.
يمكن أيضاً ملاحظة أن حدة تصريحات الصفدي وبيانات وزارته في اتهام حكام تل أبيب زادت جرعتها كما لم يحصل من قبل، تحت عناوين مثل «خطاب أيديولوجي ديني متطرف» و«جر المنطقة لصراع ديني» ولاحقاً مثل «تجاهل كل القوانين الدولية والكذب».
سياسياً، يعني ذلك ليس فقط اهتمام عمان بتأكيد حيادها السيادي إذا ما توسع الصراع إقليمياً بالمعنى العسكري، بقدر ما يعني أيضاً فرصة لتأكيد الثوابت الأردنية ذاتها أمام الداخل والخارج وفي إطار تثبيت واقعية الخطاب الأردني المناهض للتجاوزات وانتهاكات واستفزازات اليمين الإسرائيلي المتطرف.
ثمة من يعتقد دبلوماسياً في عمان، بأن التخشين الذي اقترحه عبر «القدس العربي» رئيس الوزراء الأسبق علي أبو الراغب في مواجهة حكام تل أبيب، هو بحد ذاته رسالة مسيسة تضرب عدة عصافير بحجر واحد؛ فهي توفر مساحة ذكية لاحتواء الاحتقان بالداخل، وتبلغ الإيرانيين ومحورهم بالمقابل بأن عمان ليست معنية بالسيناريو الإسرائيلي الحالي على الأقل، وأنها بصدد تأسيس مسافة أكبر بعيداً، وإن كان ذلك لا يحصل ضمن معطيات وإحداثيات تفيد بأي تقارب مع محور المقاومة بالنتيجة.
جاهزية لأسوأ الاحتمالات
يتحرك الأردن في أزمة الجغرافيا العازلة بين إسرائيل وإيران في زاوية ضيقة جداً، وضمن حسابات وحساسيات لعبة خطرة. وما اقترحه الخبير العسكري البارز قاصد محمود، عبر «القدس العربي» هو العمل فوراً وبأسرع وقت ممكن على توسيع زاوية التحرك والمناورة أمام الأردن؛ لأن التنميط الذي يفترضه الجميع هو أن الأردن الرسمي أقرب وأميل بحكم الوقائع إلى السيناريو الأمريكي.
وعندما يتعلق الأمر بحرب وشيكة عسكرياً بين طهران أو الجماعات الموالية لها في المنطقة، وبين الكيان الإسرائيلي، يجتهد الأردن في إظهار جرعات الحياد، وطبعاً لا يريد التورط، ولا مصلحة له بأن يحسب على طرف دون الآخر، ما جعل زيارة الصفدي المهمة إلى إيران بحد ذاتها مثاراً للتساؤل.
وقد شرح الأمر الوزير الصفدي نفسه عندما صاغ زيارته في طهران أمام كاميرته بالعبارة البسيطة التالي: «تلقيت دعوة لزيارة وأمرني جلالة الملك بتلبيتها».
أغلب التقدير أن نقاشات الصفدي وما سمعه في طهران، عرضت فقط على المستويات الضيقة جداً في القرار. وما يمكن فهمه لاحقاً أن الأردن البيروقراطي والسيادي دخل في إطار اتخاذ خطوات وجاهزية لأسوأ الاحتمالات بعد زيارة الصفدي لطهران، وقبل الصفعة التي وجهها للجميع صباح الثلاثاء الوزير الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير عندما قاد انتهاكاً كبيراً لأسس الوصاية الأردنية مع أكثر من 2000 متشدد مستوطن وبوجود وزراء وأعضاء كنيست.
وسط انتهاكات اليمين الإسرائيلي المتطرف وأصوات طبول الحرب في المنطقة
يضغط بن غفير على الوصاية الأردنية في القدس والمسجد الأقصى يومياً. ويضغط الأمريكيون باستعراض عسكري في المنطقة في اتجاه ما يسمونه خفض التصعيد ومنع توسع الصراع. والأردن الرسمي في زاوية ضيقة ضمن هذه المعطيات والقراءات، وما يلاحظه عموماً هو أن الإدارة الأمريكية لا تبذل الجهد الكافي للضغط على إسرائيل خصوصاً في وقف الحرب على قطاع غزة.
وعمان بهذا المعنى السياسي، تضطر لملاعبة الجميع قدر الإمكان بصيغة مواجهة التحديات عندما تحصل وفقاً للمعادلة التي اقترحها عندما تحدث مع «القدس العربي» الوزير الصفدي نفسه، علماً بأن هوامش المناورة تضيق في الأثناء، وتكرار الجرعات السيادية الأردنية بصيغة «أبلغنا الطرفين» تعكس الشعور العام بالمخاطر واحتمالات الانزلاق.
لذلك برزت خطوات في عمان، من بينها ولادة مجلس الأمن القومي الجديد وعقد اجتماعه الأول تحت عنوان مناقشة التطورات الإقليمية، ومن بينها زيارة تفقد ملكية مهمة لمركز الأزمات الوطني الذي تديره نخبة من أبرز الكفاءات العسكرية والمدنية استعدت منذ سنوات لسيناريوهات «أي أزمة» عندما تحصل.
بين الخطوات أيضاً، ذلك البيان الذي صدر باسم رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة، من باب الشرح والإفصاح للجمهور والرأي العام.
وهو بيان بكل حال، يشرح أكثر ويجيب عن أسئلة عالقة، ويملأ بعض الفراغات خلافاً لاستخدام عبارات تميزت بقدر من الصراحة والمكاشفة عنواها حماية الوطن والمواطن أولاً في الحسابات السيادية، وإبلاغ الإيرانيين والإسرائيليين معاً بأن الأردن لن يسمح باستخدام أرضه وأجوائه في أي صدام عسكري.
عبارات بعناية فائقة
خبرات الخصاونة العميقة دفعته لاختيار بعض العبارات بعناية فائقة حتى لا تبيع الحكومة الأوهام للجميع عندما ربط التصدي لأي محاولة اختراق بعد مقولة «أبلغنا الطرفين» بالإمكانات والقدرات، ما قد يعني الكثير ميدانياً، إن حصلت مواجهة إقليمية عسكرية مرتقبة.
يجتهد الأردنيون على المستوى المسؤول في إدارة مصالح شعبهم ببرودة أعصاب وهدوء. والمؤسسات السيادية الإطار والوظيفة والواجب مثل مجلس الأمني القومي والمركز الوطني للأزمات في الاجتماع والتشاور والثوابت الأردنية، هي علناً في الاشتباك مع اليمين الإسرائيلي، وعلناً في الاحتراز من أي طموحات لها علاقة بجماعات تصنف بموالاة إيران.
في الأثناء، قواعد عسكرية أجنبية صديقة تعلن دولها حماية إسرائيل.
وضع معقد لوجستياً وأمنياً، والأردن الرسمي يتحرك تماماً بين حقل ألغام، لكن باقتدار وثقة وهدوء، وضمن معطيات برنامج وأولويات واضحة حتى الآن، والطريقة الوحيدة للاحتواء وتجنب المغامرات هي تذكير الأمريكيين والعالم مجدداً بأن نزع فتيل أزمة عسكرية إقليمية يبدأ حصراً من عند المهمة التي يفشل فيها حتى الآن طاقم الرئيس الأمريكي جو بايدن، وهي وقف الحرب في غزة.