سؤال افتراضي في الأردن: كم سيكون عدد أصوات «أبو عبيدة» في انتخابات أيلول؟
«سنة أولى تحديث»… مزحة بيروقراطية
عمان ـ «القدس العربي»: سؤالان في «النطاق العملياتي التكتيكي» مطروحان بقوة هذه الأيام على طاولة «الانتخابات البرلمانية» الوشيكة في الأردن. كيف نضمن مشاركة التيار الإسلامي حصراً بالعملية الانتخابية بصيغة «تجذب» ناخبيه لكن بدون «مكاسب مؤثرة» تحت قبة البرلمان؟
السؤال الثاني قد يكون الأصعب والأكثر تعقيداً: كيف نعزل «غزة وما يحصل لها وفيها» عن اتجاهات التصويت في انتخابات 10 أيلول المقبل؟ عملياً، عندما يتعلق الأمر بالسعي لتوفير إجابة على السؤال الأول، تبرز سلسلة من تعقيدات العمليات ليس فقط لأن التيار الإسلامي يتصدر أساساً الحملة في المجتمع ضد إسرائيل والتطبيع معها ومساندة المقاومة، ولكن أيضاً لأن التيار الإسلامي هو الوحيد الذي يمتلك عملياً «قدرات عملياتية» وتجارب «انتخابية» سابقة أفضل بكثير من تلك التي تمتلكها خارطة أحزاب مشروع التحديث السياسي حالياً.
مساعدة الأحزاب الجديدة على «النهوض» ومنافسة الإسلاميين في زوايا الدوائر الانتخابية قد تتطلب «تسهيلات إضافية» في المجريات الإجرائية من الصنف الذي سيستفيد منه الجميع، بما في ذلك التيار الإسلامي. تلك «عقدة تكتيكية» في المشهد، حتى سياسيون كبار يخاصمون في الأيديولوجيا التيار الإسلامي، مثل الدكتور ممدوح العبادي، يقدرون بأنها واحدة من عدة مسوغات أخرى كانت تتطلب «تأجيل الانتخابات».
في وقت مبكر، سأل العبادي أمام «القدس العربي»: ما الذي كان يمنع أن تتأجل الانتخابات لعام أو اثنين بسبب ظروف المنطقة المعقدة؟ وأمام «القدس العربي» أيضاً وفي وقت مبكر، صوت رئيس الوزراء الأسبق علي أبو الراغب لفكرة تأجيل الانتخابات، حيث العديد من الأسباب وليس هناك ما يضغط بشدة من أجلها.
الفكرة كانت أن الأردن في «الاستحقاق الدستوري» ثم» التحديثي للمنظومة» لا يريد أن يظهر بهيئة الدولة التي تؤجل الانتخابات من أجل «حدث خارجي» لكن ما اقترحه السياسي المراقب مروان الفاعوري، هو أن «غزة «كانت وستبقى مثلاً في عمق الحدث الوطني الداخلي. والمراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين الشيخ مراد عضايلة، صرح مبكراً: «معركة طوفان الأقصى شأن داخلي ووطني للأردنيين».
في الإجابة عن السؤال الأول، حذر مخضرم من وزن طاهر المصري من أن السياق العملياتي يفترض ألا يتعرض لضغط يتطلب «الكثير من التدخل في ملف الانتخابات». وبيان مجلس شورى حزب جبهة العمل الإسلامي صرح مبكراً بأن الحزب المعارض الأكبر «سيراقب منظومة النزاهة».
لاحقاً، قدم الأمين العام للحزب وائل السقا، مرافعته علناً في مذكرة لرئيس الحكومة بشر الخصاونة بعنوان «إنهم يتدخلون بنا ويضايقون أعضاء حزبنا ومن سيترشح منهم».
الحكومة لم ترد، لا بالنفي ولا بالتوضيح؛ ما يجعل تأسيس المعادلة التي تقول بـ «الترحيب بمشاركة الإسلاميين لكن مع تقليص فرصتهم ومساحتهم وحرمانهم من أي دلال خاص» هي المعادلة الأكثر تعقيداً، خصوصاً بعدما أعلن التيار الإخواني ولأغراض مفهومة مرتين على الأقل بأنه «لا يسعى للمغالبة».
«سنة أولى تحديث»… مزحة بيروقراطية
ليست «المغالبة» التي ينفيها الشيخ العضايلة مرتين هي «الهدف» في النطاق العملياتي، لكن قد يكون من بين الأهداف «المشروعة عملياً قبل الصندوق» خفض عدد المقاعد التي يحوزها التيار الإسلامي قدر الإمكان والحيلولة حتى دون وجود «كتلة برلمانية صلبة مؤثرة» في العمل التشريعي.
والسبب الذي يمكن افتراضه عملياتياً هنا أن «وزن المقعد الواحد» للإسلامي في سلطة التشريع متفوق على غيره بحكم الخبرة والخطاب والتجربة، فرموز الإخوان المسلمين في البرلمان لا يزالون الأنشط ويؤثرون في الإعلام والجمهور، ولهم باع طويل ايضاً في الرقابة والتشريع والأداء البرلماني المتميز.
ثمة دليل إضافي برز على ذلك مؤخراً؛ فإحدى أبرز مؤسسات الرصد المدنية المقربة من السلطات أقرت بأن عضو الكتلة الإسلامية صالح العرموطي هو المتصدر تماماً في الأداء بعدة مساحات تشريعية ورقابية مهمة وأساسية، بمعنى أن العرموطي هو أكثر المتداخلين وطارحي الأسئلة الدستورية والممارسين للرقابة التشريعية.
ناخب الإسلاميين متحرر من «شرط الخدمات» وهو من ناخبي «الموقف السياسي» الأمر الذي يؤسس عقدة إدارية في طريق أي محاولة لتقليص حضور التيار في التشريع بسبب تفرغ الممثل البرلماني الإسلامي لواجبات الرقابة والتشريع؛ لذلك حصراً يشتكي السقا على الأرجح علناً من «مضايقات مبكرة».
ولذلك تصبح جزئية «الحد من فرص ومقاعد الإسلاميين «مهمة معقدة، والاسترسال فيها قبل الصندوق يمكن أن «يخدش» منظومة النزاهة أو يوفر «ذخيرة» لاحقاً لسردية «مظلومية استهداف الإخوان المسلمين».
وعليه، يمكن الاستنتاج بأن «استدراج» الإسلاميين للمشاركة بأفضل صورة ممكنة بالانتخابات ثم العمل بالتوازي على «الحد من عدد مقاعدهم» مهمة صعبة أو «محفوفة بالمخاطر» خصوصاً في إجراء انتخابي مهم وبتوقيت حساس مرتبط إجرائياً الآن بـ «سنة أولى تحديث».
ومثل هذا التقاطع العملياتي لا يعالج إشكالاته إلا « خلف الستائر مع قيادة الحركة الإسلامية التي تقول بتجنب المغالبة ضمن معايير صفقات موفقة مماثلة كانت تحصل في الماضي البعيد، فيما ما يظهره الإسلاميون الآن هو «إمكانية» استعدادهم للبحث في الأمر.
لكن الصفقة معناها أن يحصل التيار «على بعض ما يريد وبعض المكاسب» وثمة في الدوائر الرسمية من «لا يؤمن أساساً بذلك» وهنا حصرياً تبرز إشكالية الإجابة عن السؤال الثاني الخاص بـ «كيف نعزل غزة عن بوصلة الانتخابات المحلية؟».
وحده وبجرأة ملحوظة تطرق رئيس الوزراء الأسبق سمير الرفاعي لذلك عندما طالب الأحزاب السياسية في البلاد لتجنب نقل «أزمات الخارج للداخل».
الإجابة هنا أيضاً معقدة وصعبة، فملف غزة تسلل إلى وجدان الذهن الجماعي للأردنيين. وأحد البيروقراطيين الكبار المخضرمين قال في جلسة خاصة بحضور «القدس العربي» إن قناعته الشخصية أكيدة بأن «أبو عبيدة» سيرد اسمه مئات المرات في أوراق اقتراع المواطنين في شمالي المملكة وجنوبها.
سأل البيروقراطي نفسه: برأيكم، كم ورقة اقتراع ستشطب قانونياً لأنها تضع أسماء غير أردنية مثل محمد الضيف؟
تلك كانت «مزحة بيروقراطية» هدفها لفت النظر إلى أن الشارع الأردني الذي يهتم أصلاً بالذهاب لصناديق الاقتراع بالتأكيد سيبحث على الأقل بنسبة لا يستهان بها في مدن الكثافة السكانية عن «غزة ومن يقف معها» من المرشحين بما في ذلك مرشحو الإجماع العشائري أو المناطقي.
والمعنى إذا شعر الناخب الأردني بنسبة تقديرية بـ «نزاهة أكثر في الطريق» وتوجه إلى الصندوق يوم 10 أيلول المقبل، قد لا يصوت لا للمعارضة ولا للموالاة بقدر ما سيبحث عن «غزة» حصراً في خطابات وبيانات ودعائيات المرشحين.
ذلك قمة في التعقيد العملياتي أيضاً.