قمة العقبة إلى المتحف… والأردن في «الدبلوماسية الحائرة»: تصعيد في ملف القدس ومرونة في «الأمني ـ الاقتصادي»
عمان – «القدس العربي»: قاد وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي اجتماع أمس الأربعاء المرتبط بأجندة مواجهة الإجراءات الإسرائيلية غير القانونية في مدينة القدس على هامش اجتماعات الجامعة العربية بالقاهرة. وذلك بعد صمت وزارة الخارجية عن متابعة أي تعليقات لها علاقة بما سمي بقمة العقبة الأمنية.
بين هذه وتلك، يمكن القول بأن الأردن يحاول مجدداً اللعب بكل الأوراق المتاحة في مواجهة إيقاع التحديات العميقة التي فرضها ويفرضها اليمين الإسرائيلي على الجميع وبصفة يومية. بين استضافة لقاء العقبة الأمني التشاوري الذي يخلو من ممثلين دبلوماسيين وبين قيادة اجتماع وزاري عربي بشأن القدس تمثيلاً للوصي الأردني في القاهرة، يمكن ملاحظة الدبلوماسية الأردنية الحائرة وهي تحاول العزف على كل الأوتار بطريقة تنطوي على تشويش واضح.
وفكرتها محاولة الحضور في كل المواقع وبدون خطاب واحد وواضح ومحدد، الأمر الذي يعكس -برأي المراقبين- مضمون ومنطوق الغموض الذي يثيره يمين إسرائيلي وينثره في خارطة المصالح والتوازنات الأردنية.
قمة العقبة الأمنية رتبت ونظمت وانتهت بسرعة، وأصبحت مقرراتها مثل حل الدولتين؛ حيث يهاجمها الجناح الفلسطيني في الفصائل والمقاومة، ويتبرأ منها في الوقت نفسه اليمين الإسرائيلي بكفاءة واقتدار، لا بل يعمل يومياً عكسها.
المعنى هنا أن تلك القمة بصرف النظر عن ضمانات أمريكية تأخرت بشأن التزام الجميع فيها انضمت إلى سلسلة وثائق وتفاهمات وبرمجيات يذكرها الناطق باسم الخارجية الأمريكية فقط، ويمتدحها الرئيس الأمريكي جو بايدن دون وجود أي وصفة لإنفاذها وتنفيذها، مما يؤهلها لمتحف الوثائق والتوصيات والاجتماعات على رف الاحتياط، كما يقدر السياسي الأردني الدكتور ممدوح العبادي.
بعد سؤال علني شهير للدكتور مروان المعشر بعنوان: تهدئة مع من ومن أجل ماذا؟ حتى عمان وطاقمها الدبلوماسي لا يشيران من قريب أو بعيد إلى قمة أو اجتماع العقبة التي يرجح سياسي وخبير بارز مثل الدكتور محمد الحلايقة أن نتائجها وتوصياتها، بصرف النظر عن الشكل والمضمون، ترنحت مبكراً تحت وطأة الضربات التي وجهها لها اليمينيون المتطرفون في الحكم الإسرائيلي.
عملياً، لا تذكر اجتماعات العقبة اليوم غربي نهر الأردن أو شرقيه إلا بالسوء، ولا أحد يذكرها في باب أي إطار وتنميط يساعد في استعادة الهدوء.
حتى المعتدلون في الجانب الفلسطيني مثل الدكتور مصطفى البرغوثي، ينتقدون اجتماع العقبة ومن المرجح أن عقد الاجتماع لم يحظ بالتوافق حتى بين نخب القرار الأردنية الرسمية.
ويمكن ببساطة ملاحظة كيف يضطر وزير الخارجية الصفدي لعقد اجتماع يخص اللجنة الوزارية المكلفة بمتابعة ملف القدس دولياً على هامش دورة مجلس الوزاري العربي في جامعة العربية بعد أيام قليلة أو أسابيع محدودة من النص على الدور الأردني والوصاية في البيان المستعجل الذي صدر عن قمة العقبة.
تلك في التناقض والازدواجية قرينة إضافية على أن استضافة الأردن لاجتماع أمني يمثل المنظومة الأمنية العميقة في دولة الاحتلال لم يكن خطوة كافية حتى لتمرير الاستحقاق المتمثل بالدور الأردني في القدس، بدلالة أن التحديات اليمينية الإسرائيلية لهذا الدور، بما في ذلك هدم البيوت وترحيل سكان من حي الشيخ رضوان لاحقا.
اجتماع العقبة بهذا المعنى يخفق حتى في أبسط نصوصه المرتبطة بالدور الأردني وبالوصاية، مما يبرر العودة إلى اللجنة الوزارية العربية المكلفة بتحرك دولي في تفسير حقيقي لميزان القوة والتأثير في اليمين الإسرائيلي اليوم، بمعنى أن الحديث حتى مع الجيش الإسرائيلي والمنظومة الأمنية في تل أبيب وبمظلة أمريكية لم يعد كافياً لنفاذ الدبلوماسية الأردنية بورقة القدس.
وتلك مسطرة طبعاً يمكن استخدامها لقياس بقية المتعلقات في اجتماع العقبة الذي رفصه بكل معنى الكلمة حرفياً رموز الحكومة الإسرائيلية وبوضوح.
لكنه اجتماع أنتج من الجدل حتى في المساحة الداخلية الأردنية ما يفيض عن أي مكاسب مفترضة.
وبرز الأربعاء حصراً رد فعل متأخر على العقبة باسم اللقاء الوطني الشعبي الجامع، حيث بيان شديد اللهجة وجديد يرفض باسم الشعب وبكل قواه مسار التنسيق الأمني متمثلاً بقمة العقبة وقمة شرم الشيخ المترتبة عليها، مع رفض الضغوط الأمريكية التي تحاول جر الأردن إلى المشاركة في اللقاء الثاني لمنتدى النقب التطبيعي.
لهجة البيان الذي صدر مساء الثلاثاء بعد اجتماع في حزب جبهة العمل الإسلامي كانت خشنة للغاية وهي ترفض التآمر على المقاومة الفلسطينية، مع أن الاحتلال هو الذي رفض قمة العقبة، بما معناه تقديم خدمات مجانية للاحتلال.
ومثل هذه التعبيرات واحدة من سلبيات كثيرة نتجت دون أي مكاسب عن اجتماع العقبة المثير للجدل، في الوقت الذي تبدو فيه الدبلوماسية الأردنية حائرة تماماً في اللغة والترتيب، وفي التموقع السياسي أو في ترسيم مناطق الاشتباك المنتجة أكثر؛ فالأمريكيون قدموا بعد العقبة ضمانات ما، فيما تشير الوقائع إلى أن تلك الضمانات شفهية فقط حتى اليوم.
والجدل عاد وسط النخب الأردنية بعنوان مخاطر المسار التطبيعي والتنسيق الأمني مع العدو، ولم ترصد أي فائدة مرتبطة بملف القدس، مما يزيد من العبء والضغط على الحراك الجيوسياسي الأردني، خصوصاً أن رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة كان قد تحدث علناً مؤخراً محاولاً تجهيز الرأي العام مع تحديات اقتصادية صعبة ستمر بها البلاد خلال عامين مقبلين ودون التطرق للأسباب والخلفيات.