اراء و مقالات

أحزاب الأردن: «لا تمثيل ولا تدجيل»

ما ينبغي أن تركز عليه برامج الأحزاب الجديدة قضايا الناس البسيطة الصغيرة، ليس من باب النقد والرقابة على الحكومات، ولكن من باب الاشتباك الإيجابي بمعنى الإقتراح وتأطير عمل الخبراء الفنيين ووضع حلول من الطراز الذي يمكن إنجازه الآن

أقف يوميا في الشارع العام مع مواطنين أردنيين بسطاء طموحاتهم محدودة، ولا تتعدى إدارة اليوم في حياتهم، وتحصيل ولو قدر من الإنصاف والخدمة الجيدة في القطاع العام.
ثمة مواطنون لديهم قابلية لتأجيل شغفهم بتحرير فلسطين من النهر إلى البحر ولا ينشغلون بتفكيك الإمبراطورية الأمريكية. بعض هؤلاء لا يهتمون أصلا بالإصلاح السياسي ولا بالانتخابات وليسوا معنيين إطلاقا بالمنتج القومي الإعلامي الذي فصم الإنسان العربي ما بين محور الاعتدال أو محور الممانعة والمقاومة.
على الرصيف وأمام البقالة وفي غرفة الانتظار بالعيادة وبالقرب من مرآب السيارات أردنيون بمئات الآلاف يحبون بلادهم ويأملون بأن تتغير أحوال الأمة. لكنهم يبحثون من أجل الاسترخاء، قبل تحرير الأمة فكريا وعمليا، عن حبة دواء تعالجهم أو رغيف خبز يسد جوعهم، وفي الحد الأدنى لديهم هوس في أن تأتي فاتورتا الكهرباء والمياه بصيغة مقنعة تفسر حجم استهلاكهم، وما يشغلهم على الأرجح فارق أسعار الدجاج، وكيفية تدبير النصف الثاني من الشهر وسداد كمبيالة البنك.
هؤلاء أيضا مواطنون ولديهم حقوق وواجب الدولة والناس إحترام أولوياتهم. وأزعم مسبقا ومبكرا بأن الحزب السياسي الذي يستطيع إظهار قدرته في مخاطبة هؤلاء البسطاء، بدون تنظير أو دجل سياسي وبدون البيان رقم 1 وإطلاق وعود بتحرير الأمة أو فلسطين ولواء الإسكندرون، سيكون الحزب المحظي في الانتخابات المقبلة والمنتظرة، لأن قضايا بسيطة يمكن لبرنامج أي حزب أن يلامسها وتهم الناس أولا هي التي يمكن أن تذهب بهم إلى صناديق الإقتراع.
بصراحة وبأمانة يعجبني ما ظهر حتى الآن من حزب الميثاق الذي يتفلسف عليه كثيرون ويلقون عليه وعلى مجموعته إضافات ونكهات للتشكيك من كل الأصناف، خصوصا في جزئية إنشغاله بتفصيل تكتيكي، قوامه عدم التحدث عن المشكلة بعد الآن، وتغيير لغة ولهجة البيان الحزبي السياسي بل عرض المشكلة واجتراح التعليق على شكل خبرة تقترح على الحكومة والناس بدلا من التمثيل عليهم.
شئنا أم ابينا أعجبنا حزب الميثاق أم لم يفعل، أرى شخصيا أنه المطلوب في اشتباكاته الصغيرة بعد الآن مع بعض التفاصيل حيث الابتعاد عن التنظير السياسي مطلوب وإقصاء التعليق الإنشائي مطلوب أكثر لصالح عرض مشكلة عامة بكل بساطة ثم إقتراح حلول ممكنة لها بصيغة أبسط.

ما ينبغي أن تركز عليه برامج الأحزاب الجديدة قضايا الناس البسيطة الصغيرة، ليس من باب النقد والرقابة على الحكومات، ولكن من باب الاشتباك الإيجابي بمعنى الإقتراح وتأطير عمل الخبراء الفنيين ووضع حلول من الطراز الذي يمكن إنجازه الآن

أعجبني ايضا أن يقترح هذه الحلول أصحاب خبرة في الإدارة العامة بمعنى ليسوا هتيفة بيانات سياسية لخطاب انقرض، إنما مجرد مواطنين صالحين لديهم خبرة في الحلول والمعالجات، ويعلمون من أين تؤكل الكتف، خصوصا في القضايا التي تهم المواطن مثل الصحة والتعليم والبنية التحتية وخدمات القطاع العام.
مثلا مشكلة الإعفاءات الطبية خاض بها الجميع ووصلت إلى زوايا مبتلاة سياسيا ومبتلاة وطنيا، واختصر خبير حزب الميثاق في الملف مشكلة عريضة بعبارة صغيرة مطالبا الحكومة ومعها بقية المؤسسات، بوضع معايير علنية لحق الحصول على تغطية للنفقات الصحية، بمعنى يعرف المواطن صاحب الحاجة مسبقا أن المعيار المطلوب ينطبق عليه.
أتمنى التوفيق في القضايا المحلية تحديدا والخدماتية بشكل خاص، لكل الأحزاب التي توالدت مؤخرا وباسمي وباسم أقاربي أعفيها من تلك الخطابات السياسية المتورمة ومن القضايا الكبيرة وأطالبها بالإهتمام بأصغر قضية ممكنة مثل تدفئة الطلاب في البرد وبمدارس القطاعين بالمناسبة، ومثل ما يحصل على الإشارات الضوئية.
ثمة قضايا بالجملة وتحديات كبيرة تواجه المواطن الأردني يوميا، انقطاع الكهرباء، إحتكار أسواق اللحوم، حوار الطرشان بين الحكومة والقطاعين التجاري والصناعي، أسعار حفاضات الأطفال.. واللف والدوران في الخدمات الصحية.. وجود مقابر جانب المدارس وصفوف فيها أكثر من 50 طالبا، ورجل سير واحد لعدة أحياء وأرصفة للمشاة، يستغلها التجار وعدد كبير لا ينقص من البلطجية والزعران.
كل تلك قضايا أساسية وجوهرية بالنسبة للمواطن الأردني تحتقرها الحكومات بالعادة، ولا ينشغل بها النواب ترفعا بعد انتخابهم، وبما أن القضايا الكبيرة غير ممكنة في حلها الآن يمكن للأحزاب الجديدة بصرف النظر عن ما إذا كانت خضعت للتسمين أو العلف أو للتنحيف عليها أن تنشغل بها قليلا علها تضيء شمعة أمام الناس.
باختصار وفي الخلاصة المشاريع القومية الكبرى والوطنية الأساسية نتسامح فيها، وهي بكل حال لها ربعها وجماعتها في أحزاب كلاسيكية قديمة موجودة ومستقرة ولا غبار عليها وبعضها انقرض، والآخر في طريقه للسقوط.
وبالتالي ما ينبغي أن تركز عليه برامج الأحزاب الجديدة قضايا الناس البسيطة الصغيرة ليس من باب النقد والرقابة على الحكومات، ولكن من باب الاشتباك الإيجابي بمعنى الإقتراح وتأطير عمل الخبراء الفنيين ووضع حلول من الطراز الذي يمكن إنجازه الآن وليس غدا.
الأخوة والرفاق: لا تخترعوا العجلة ولا تقفزوا بنا إلى القمر وبإمكاننا تأجيل صناعة الصواريخ وهندسة الفضاء معكم، فقط إنتبهوا قليلا لقضايا الناس البسطاء وساعدوهم لكي ينقلوكم إلى قبة البرلمان.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى