اراء و مقالات

الأردن وصيغة «اقتضى التنويه»: تحديث وإصلاح بدون إصلاحيين وحواضن

السلطة لا تستطيع بأي حال من الأحوال مواجهة إشكالية العزوف أو محيط التشكيك والعمل على توفير حاضنة اجتماعية حقيقية لمشروعها الجديد بدون تعميم ثقافة التحديث وسط الموظفين الرسميين أنفسهم.

عمان ـ «القدس العربي»: الاستنتاج بان إدارة ملف مسارات التحديث الثلاثية في الأردن بدون نخبة وأدوات تهضمها وتفهمها أصبح أقرب للمهمة المستحيلة في ظل تلك الصراعات التي يمكن ضبطها والانقسامات المخفية أثناء عملية التحضير للاشتباك مع الجزء التنفيذي والبروتوكول الإجرائي تمهيدا لتأسيس البرمجة الأهم في الاتجاه نحو المئوية الثانية للدولة.

بوضوح احتاج القصر الملكي مرتين على الأقل مؤخرا وفي مناسبتين لتذكير الوزراء والنواب معا بان الالتزام بوصفات التحديث بمسارها الثلاثي حرفيا هو الأساس المهني للبقاء بعد الآن في الإدارة.
وبوضوح أيضا قالها القصر الملكي مرتين بعنوان عريض على أمل ان يلتقط الجميع في دائرة النخبة الحاكمة حصرا الرسالة بعيدا عن الاجتهاد والتغميس خارج الطبق، أو العزف منفردا بعيدا عن السرب وعلى أساس القناعة بان المستقبل السياسي بعد الآن مرتبط بالأحزاب السياسة.
جرعة القلق في الخطاب المرجعي واضحة من الإحساس بان الرسائل لا تصل كما ينبغي ان تفعل، وظاهرة العزوف الاجتماعي عن أولا الثقة بالخطط الاقتصادية التمكينية، وثانيا الانضمام للأحزاب رسائل مباشرة لمراكز القرار من الناس والجمهور تصدم رقميا في بعض المواقع وتقول ما يحجم المسؤولون عن قوله بعنوان يشير إلى ان درب التحديث شعبيا لا تزال وعرة، فالتشكيك رغم عبثيته موجود والأسباب حتى اللحظة لم تعالج.
الإقرار بالأخطاء الكبيرة برأي سياسي عتيق مثل الدكتور محمد الحلايقة قد يكون بداية المشوار في التأسيس لضمانات عملية بان لا تتكرر وقد يشكل المحطة الأساسية في الانطلاق نحو معالجة فراغين، الأول اسمه غياب الحاضنة الاجتماعية، والثاني اسمه العزوف الشعبي.
في مواجهة الفراغين لا مجال للاجتهاد أو الغموض في قراءة أو تفسير النص المرجعي الذي وضع خطة اليوم نادرة ومهمة وقائمة على 3 وثائق مرجعية لتوحيد قلوب الأردنيين ولو على خطة واحدة أو متوافق عليها قدر الإمكان تأييدا للمئوية الثانية.
وفيما يجتهد سياسيون من بينهم مخضرم مثل الدكتور ممدوح العبادي في لفت نظر دوائر القرار إلى النواقص والاحتياجات التي تعزز المصداقية يبدو واضحا في التقييم الإداري النهائي بان مركز القرار يكرر ويعيد الثوابت ويؤكد على المؤكد بان التجاذب بين مراكز القوى في الإدارة لا يزال موجودا، ولأن مركز القرار ليس مطمئنة بثقة كبيرة بعد إلى ان جميع المسؤولين في الدولة يلتقط الرسالة ويتصرف بها وفقا للمطلوب. قد يكون ذلك مجرد انطباع وهمي، لكن الوقائع تشير إلى انه من الصعب حتما الاسترسال في زف بشرى التحديث لجميع المواطنين في الوقت الذي يثبت فيه بان الرؤية ليست موحدة بعد في الجوانب الإجرائية وبروتوكولات التنفيذ على مستوى السلطات والمؤسسات والحكومة.
وهنا قد يكمن التحدي الأساسي لان ما يبدو عليه المشهد أحيانا ان مؤسسات القرار نفسها تحتاج لضبط إعدادات ذاتي إجرائيا وتنفيذيا قبل التحدث للناس وللجمهور في مقتضيات المسارات الثلاثية.
وأيضا لان السلطة لا تستطيع بأي حال من الأحوال مواجهة إشكالية العزوف أو محيط التشكيك والعمل على توفير حاضنة اجتماعية حقيقية لمشروعها الجديد بدون تعميم ثقافة التحديث وسط الموظفين الرسميين أنفسهم.
وهو الأمر الذي دفع وفي وقت مبكر رئيس الهيئة المستقلة لإدارة الانتخابات موسى المعايطة لان يتحدث مع «القدس العربي» بقدر من الصراحة على أساس القناعة بان على الجميع أن يعرف ضرورة التعرض لبعض البلل عند السباحة في بحر أو بركة أو مياه تحديث المنظومات.
للتحديث خصوم بكل حال وبصرف النظر عن خلفياته وأسبابه ومساحاته، الخصوم المفترضون داخل الدولة وليس خارجها أشرس بكثير على الأرجح من غير الفاهمين والمشككين في وسط المجتمع والنخب، وتلك إشكالية هي التي تتسبب بين الحين والآخر بصيغة «واقتضى التنويه مجددا». وهي نفسها الإشكالية التي يقترح الحلايقة التركيز عليها بعد توفير المحتوى والمضمون الفكري الثقافي لاستقطاب وحتى استدراج الحواضن الاجتماعية.
يؤكد الناشط الحزبي واحد أبرز المتحمسين لتحديث المنظومة محمد الحجوج وأمام «القدس العربي» بان الثقة يمكن إنتاجها ومراكمتها بالتدريج، لكن السلبية وبكل حال ليست مفيدة ويوافق معه عضو البرلمان الناشط والبارز الدكتور خير أبو صعليك وهو يخشى ان تصبح السلبية والعدمية مع التشكيك جزءا من الإشكالية وليس من علاجها.
بكل حال صيغة اقتضى التنويه التي يلطم بها القصر الملكي الجميع بين الحين والآخر تؤسس لمرحلة جديدة وهي بمثابة تذكير للموظفين والمواطنين معا بان خيار التحديث هو الوحيد ولا بديل عنه وبالتالي المشاركة هي الأنفع والأكثر جدوى كما يرى المعايطة.
لكن بالمقابل الحاجة تبدو ملحة أكثر اليوم حتى يتم ترويج السيناريو والمشروع برمته إلى ان تظهر الجدية في صناعة وإنتاج معايير التحديث من قبل الحكومة والسلطات قبل أي جهات أخرى حيث يمكن هنا للمواطن العادي ان يلمس الفارق وهذا صعب وليس سهلا بحد ذاته وقد يحتاج إلى انضباطية أرفع من كبار المسؤولين في المرحلة اللاحقة.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى