اراء و مقالات

التطبيع «الأردني»: شهر «البصل» انتهى

انتهى شهر العسل التطبيعي الأردني مع إسرائيل والممتد لـ 29 عاما بنتيجة واضحة الملامح ملخصها أن العلمانيين الإسرائيليين رواد مساحة الشراكة لم يلتزموا وبشهادة كبار المفاوضين الأردنيين بأي اتفاق تم التوصل إليه معه.
يشمل ذلك المياه والحدود والسكة الحديد وناقل البحرين وأمن الأغوار والبيئة والمغطس ومطار العقبة والمخطوطات والمزروعات والبحر الميت.
تلك حقائق لم يعد أحد ينكرها من كبار المسؤولين الأردنيين أما مسار التكيف البراغماتي مع اليمين الديني الليكودي التلمودي المتشدد بناء على نظرية الرهان فقط على الدولة العميقة للكيان، فانتهى بدوره بإرباك طاقم الأوقاف الأردني في القدس يوميا ودفعه تحت هراوات شرطة الاحتلال وبنادقهم إلى «لحس» أي قرار تنظيمي خلافا لما انتهى إليه المشهد بخصوص اليمين المتشدد عندما وزع بين مستوطنيه تلك الخارطة المتوارثة من مناحيم بيغن في صباه إلى يتسئيل سيموريتش في شبابه والتي تعتبر المملكة الأردنية الهاشمية جزءا من إسرائيل الكبرى.
المياه التي يبيعها العدو لوزارة المياه الأردنية أصلا «محتلة ومسروقة» من أرض أردنية. ما الذي تعنيه هذه الوقائع والحقائق بعد 29 عاما من اتفاقية وادي عربة حيث لا يوجد ولا حتى مشروع اقتصادي كبير تم الاتفاق عليه وأنجز فعلا وحقا على الأرض.
ذلك على الأقل ما شهد به أمامي عضو الوفد المفاوض خبير المشاريع والمياه والبيئة وعدة مرات الدكتور دريد محاسنة وغيره طبعا.
رسائل الإسرائيليين للأردن شعبا وحكما ودولة ومن جناحيهم: العلماني الذي يدعي الديمقراطية والرغبة في الشراكة والسلام، والمتدين المنشغل فقط بقراءة التوراة وتنميط الخزعبلات وتحويلها إلى مشاريع سياسية، هي رسائل واضحة ولا تقرأ بلهجتين.
وبما أن الحديث كأردنيين عن صحوة ويقظة وصراع ومواجهة ليس وقته. ولا تسمح به الظروف والمعطيات فلنذهب إلى الحد الأدنى على الأقل من: أولا: الإقرار بالوقائع كما هي.
ثانيا: التوقف عن إنكار المخاطر.
ثالثا: إعداد خطة ما من أي صنف لحماية الوطن الأردني أو على أقل تقدير امتصاص واحتواء وملاعبة تلك الهجمة الإسرائيلية حتى لا تصبح قدرا حتميا، ولأن الاسترسال في الموقف الحالي، حيث الشعور فقط بالصدمة تلو الأخرى، وتلقي الصفعة بعد أختها بانتظار أن يحصل تطور ما سيكون أقرب إلى حالة انتحار تمر قبل ذلك بخضوع وإذعان لا مبرر لهما.

أما مسار التكيف البراغماتي مع اليمين الديني الليكودي التلمودي المتشدد بناء على نظرية الرهان فقط على الدولة العميقة للكيان، فانتهى بدوره بإرباك طاقم الأوقاف الأردني في القدس يوميا

الحراك الأردني المطلوب وبقوة فعلى المحك اليوم، ليس استقرار الأردن وسيادته وأرضه وترابه، فتلك مساحات سيادية يتولى في الدفاع عنها الاشتباك شعب وجيش لا أحد له مصلحة بالاستهانة بهما بالرغم من كل ما يقال عن الظرف الاقتصادي الصعب والبيئة المعقدة إقليميا ودوليا.
أضم شخصيا صوتي الى القائلين بأن القواعد العسكرية الأمريكية القديمة والجديدة، سواء كان عددها 6 أو 1- أم 12 قاعدة عسكرية وظيفتها ليست حماية الأردن وأولويتها قد تكون بأجندة أمريكية وليس بوطنية أردنية.
سياسة «اعمل حالك ميت» على المستوى الدبلوماسي ليست هي السياسة الحكيمة ولا يمكنها أن تكون كذلك في ضوء الخيبة التي تراكمت لـ 29 عاما على شكل جرعات تحقن في جسد الأردنيين.
وتلك الخيبة المعتقة المنقوعة تهدد اليوم كل شيء ورغم قناعتنا بأن الأردن قوي بمؤسساته وبمرجعياته وبشعبه وقادر على إشغال وإيذاء العدو إلا أننا وبصراحة كبيرة نخشى ضعف النخب والأدوات والرموز، ونشعر بحذر جراء نقص الخطط والجاهزية وغلبة تكتيكات الانتظار والترقب على استراتيجيات الوقاية والاحتياط.
نمنا لـ 29 عاما في حضن عملية سلام لم تنجز وخذلنا شريك الرحلة عشرات المرات وأخطأ أردنيون في التفاعل مع اتفاقيات تسلم أمن الطاقة والمياه لعدو واضح وصريح. لسنا رغم ذلك بصدد التشكيك ولا فائدة من جلد الذات. وكل المطلوب حصرا صحوة ويقظة من حالة السبات تلك يعقبها الانتقال إلى قواعد اشتباك إيجابي تنتهي بوضع خطط وقائية.
لا نريد من الحكومة تحرير القدس ولا فلسطين وكل ما نرغب به الانتقال ولو بخطوات صغيرة باتجاه العمل الوقائي درأ للمخاطر المؤكدة اليوم وإعادة تصنيف إسرائيل في الخطاب الرسمي باعتبارها عدوا وخصما لن يرحم أحدا إذا ما تمكن.
فقط يا قوم استخدموا أوراق القوة المتاحة بدون مبالغة وركزوا على الملاعبة بأقل تقدير، وأول قواعد حماية الوطن والذات تطلب بتقديرنا اليوم إعادة البرمجة وإطفاء الحاسوب المؤسس على الشراكة مع الإسرائيليين وتداعياتها في الإقليم والعالم ثم إعادة تشغيله حتى نحصل على نتائج أوضح أو أقل غموضا.
ليس سرا أن الشراكة الوهمية تلك ارتبطت لـ 29 عاما بفلسفة ونظرية وانتهت بعقيدة مستقرة بيروقراطيا. وليس سرا أن المطلوب بعد إطفاء جهاز الحاسب الآلي قبل إعادة تشغيله تحديث البيانات بحيث تشطب الخوارزميات التي كانت تعتبر العدو طوال الوقت شريكا أو صديقا محتملا فقد تبين أن شهرنا الطويل من «البصل» بدلا من «العسل»

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى