اراء و مقالات

حشد وزاري أردني في قصر تشرين: «مجلس التنسيق العالي» أثناء «انعقاد الوزارية العليا»… لماذا؟

عمان- «القدس العربي»: لا أحد يعلم بصورة محددة ما الذي يعنيه الإعلان عن توقيع «مذكرة تفاهم لتشكيل مجلس التنسيق العالي» بين الأردن وسوريا الجديدة، في الوقت الذي انشغلت فيه وسائل الإعلام في البلدين بالتحدث عن أولى نتائج انعقاد اللجنة الوزارية العليا المشتركة.
لأسباب لا تزال غامضة عملياً، ترك ميكرفون الإعلان عن تشكيل مجلس التنسيق العالي الأردني السوري للوزير أسعد الشيباني، فيما تولى نظيره الأردني أيمن الصفدي رئاسة الوفد الوزاري الأردني لاجتماعات اللجان الوزارية العليا الثنائية، التي انعقدت في دمشق.
الشيباني أعلن عن توقيع مذكرة التفاهم المشار إليها في عمان، والصفدي غادر منطقة التضامن في المساحة الدولية والإقليمية مع الإدارة السورية الحالية إلى منطقة رئاسة اجتماع فني بين وزراء ملفات الاختصاص.
المشهد في السياق الإعلامي والبروتوكولي يثير بعض الأسئلة الاستفهامية أكثر مما يجيب عن بعضها الآخر؛ فمن أعلن عن ما يسمى بمجلس التنسيق العالي هو الوزير الشيباني، أما من أعلن عن بروتوكولات في ملفات محددة، هي الصحة والنقل والمياه والطاقة، فهو الوزير الصفدي.
الرأي العام في البلدين عموماً لا يفهم بعد ما هو الفارق بين اللجنة الوزارية العليا المشتركة التي انعقدت لأول مرة أمس في دمشق، وبين مجلس التنسيق العالي، إلا إذا كان الهدف من تأسيس ذلك المجلس لا علاقة له بقطاعات مثل المياه والطاقة والصحة.
الإيحاء هنا أن كلاً من عمان ودمشق قد أظهرتا لأسباب غير مفهومة أو لم تشرح بعد، الاحتياج لوجود مؤسسة جديدة باسم التنسيق العالي، والمقصود هنا على الأرجح هو السيادي والعابر للحكومات وللأطقم الوزارية بعيداً طبعاً عن المألوف والاعتبارات الكلاسيكية.
طوال الوقت، ينشط ساسة ومسؤولون أردنيون في الدعوة إلى تطوير سريع ومنتج للعلاقات مع سوريا الجديدة.
ومنذ نجحت الثورة السورية في تسلم إدارة الدولة، أسست عمان لعشرات المبادرات السياسية والدبلوماسية.
لكن في اللحظة المهمة، غابت العاصمة الأردنية عن أول اتصال وحوار مباشر بين قيادة سوريا الجديدة والإدارة الأمريكية، ما ألحق العديد من التساؤلات في مشهد فيه بعض الغموض والحسابات غير الشفافة.
منذ أسابيع، طلبت عمان من الرئاسة السورية انعقاد اللجنة الوزارية العليا، وكرر الطلب عدة مرات، لكن الإجابة كانت من دمشق طوال الوقت بصيغة «الوقت غير ملائم، والحكومة السورية لم تتشكل بعد».
فجأة أصبح الوقت ملائماً.
ومع سلسلة التفاهمات التي أسسها الوزير الصفدي بعد أكثر من 4 لقاءات تحت عنوان التعاون من أجل سوريا مع الراعي التركي، ثم احتضان الأردن للرئيس أحمد الشرع، واستقباله بحفاوة على السجاد الأحمر، أصبح الانطلاق إلى المساحة الإنتاجية الثانية هدفاً للمسؤولين في العاصمتين، مع أن الجانب السوري بقي يتذرع لفترة طويلة تحت عنوان عدم وجود بنية وجاهزية للعمل المشترك على المستوى الوزاري.
واضح ومرجح أن القطاع الخاص الأردني بانتظار الضوء الأخضر السياسي للاختراق والتشبيك.
أبرز رموز هذا القطاع كان قد تحدث علناً قبل أيام عن صفحة جديدة في تاريخ العلاقة بين البلدين، عنوانها إعادة بناء سوريا والحرص على الإيجابية.
وهي تعبيرات وردت علناً على لسان رئيس غرفة تجارة الأردن خليل الحاج توفيق، الذي ساهم في تغذية العلاقة التفاعلية الإيجابية.
رئيس وزراء الأردن الدكتور جعفر حسان، كان قد تحدث علناً الشهر الماضي عن أن استعداد بلاده لمساعدة واستعادة شبكة البنية التحتية لقطاع الخدمات، وانتقال وزراء المياه والطاقة والصناعة والتجارة والنقل من الجانب الأردني إلى دمشق، فرصة إلى منطقة متقدمة في التنسيق البيروقراطي والتنفيذي والإجرائي بعدما حسمت الشراكة على المستويات المرجعية.
خبراء أردنيون متعددون استمعت لهم «القدس العربي» مثل الدكتور محمد الحلايقة، وهم يقترحون تشجيع وتحفيز شراكة حقيقية منتجة بين الشعبين والدولتين على أساس الاستثمار في مساحات الأماكن التي يتيحها استرخاء الشعب السوري مرحلياً بعد معاناة طويلة مؤلمة.
رغم ذلك، المقاربات بمعناها الهندسي سياسياً، تشير إلى أن حجم التأثيرات الخارجية في العلاقة الأردنية السورية يجعل بناء مستقبل واعد على أساس الشراكة الاستراتيجية عابراً بين كثير من محطات التحدي؛ لأن الولايات المتحدة ورغم كل الإيجابيات التي صدرت عن رئيسها دونالد ترامب مؤخراً، لم تخرج بعد قانون قيصر الشهير بالمعنى الشرعي المباشر.
وهو قانون وصفه الخبير الاقتصادي البارز الدكتور جواد العناني، مبكراً في نقاش إضافي مع «القدس العربي»، بأنه خصم لدود للمصالح الأردنية الاقتصادية حصراً مع الشعب السوري.
إذا كان ما يقصده العناني مباشراً، يمكن القول إن الانفتاح السوري على تشكيل مجلس تنسيق عال غامض المهام وقبل ذلك انعقاد اللجنة العليا الوزارية في دمشق، يصبح خطوة إلى الأمام فرضتها تلميحات الرئيس ترامب عن احتمالية رفع الحصار، بمعنى تحريك قانون قيصر عن خارطته.
وهو ذاته القانون الذي أفاد العناني بأنه أعاق كل مصالح الأردن الاقتصادية مع الجار السوري، لأنه تسبب في خسائر بالمليارات.
مرجح جداً أن بداية التفاهمات الأمريكية السورية عززت الاندفاع البراغماتي الأردني باتجاه دمشق، وأن الرعاية التي أظهرتها دول عربية مهمة للنظام السوري الجديد تدفع عمان للتخلص من كل مخاوفها الأمنية التي نتجت عن الطابع الفكري والسياسي للدولة السورية الحالية؛ لأن تمكن عمان من بعض التفاهمات مع الراعي التركي يدفعها أكثر للتخلص من التحفظ، والاتجاه بحماسة نحو اختراقات محسوبة على أمل المساهمة بأي حصة من مشاريع إعادة الإعمار السوري.
وفي المقابل، مرجح أن قرارات الحظر المتشددة التي اتخذت في الأردن ضد أهم تعبيرات الإسلام السياسي أنتجت صنفاً من الاسترخاء في تبديد المخاوف من الإسلام السياسي بنسخته السورية.
كل تلك عناصر ساهمت في رصد طاقم من 10 وزراء وموظفين كبار أردنيين في اجتماع قصر تشرين صباح أمس.
لكنها عناصر لا تجيب حتى اللحظة عن المسوغات الخلفية التي تترجم عبارة «مجلس التنسيق العالي».

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading