اراء و مقالات

نتنياهو وبن غفير «يحفران» تحت أقدام «الوصاية الأردنية»

عمان – «القدس العربي»: يعلم الجميع أن الأردن لا يستطيع سياسياً ولا دبلوماسياً ولا حتى شعبياً، الوقوف عند الحد الفاصل الذي رسمه يوماً رئيس مجلس الأعيان فيصل الفايز، عندما قال إن بلاده لا تستطيع مجابهة إسرائيل. ثمة حد فاصل في الإطار السياسي الأردني للاشتباك مع الإسرائيليين يضم ثلاثة ملفات، أولها القدس والوصاية.
عندما يتعلق الأمر حصراً بتجدد المواجهة وتغيير قواعد الاشتباك بملف القدس والمسجد الأقصى قد تصبح المعادلة مختلفة بالرغم من مؤشرات العجز الظاهرة التي تبدو للجميع.
وقد بدا ذلك من خلال الوجوم الذي سيطر على طاقم وزاره الخارجية الأردنية ومن بعده الحكومة فيما يتعلق بإصدار أي ردة فعل كلاسيكية وتقليدية إزاء التطورات الخطيرة التي قررتها على نحو مفاجئ في ملف القدس والمسجد الأقصى حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرفة، بحيث يعود الحفر الإسرائيلي المنهجي تحت أرجل الوصاية الأردنية.
وهذا هو المعنى الوحيد سياسياً الذي يفترضه الأردنيون، ومنهم المحلل والمتابع السياسي مروان الفاعوري، وهم يقولون بأن إسرائيل التي قررت حكومتها أمس الأول تخصيص ميزانية لإكمال مشوارها في حفر الأنفاق تحت قبة الصخرة هي في الواقع تحفر قبر السلام والتعايش معه.
ومقاربتها الواضحة الملامح -حسب الفاعوري- هي الحفر تحت هوية الأردنيين الوطنية ومصالح الدولة الأردنية أيضاً، خلافاً للتعاكس المباشر مع اتجاهات ومشاعر المسلمين في كل مكان. لذا، ما يقترحه الفاعوري سبق أن اقترحه هو وكثيرون، من بينهم وزير البلاط الأسبق الدكتور مروان المعشر، علناً في أحاديث جانبية ونقاشية مع “القدس العربي” وحتى في ندوات عامة، وهو العمل على أن تدفع الحكومة الأردنية باتجاه مقاربة جديدة تستند إلى حقائق ووقائع واتجاهات ومسارات اليمين الإسرائيلي من زاوية مخاطر إنكار تلك الاتجاهات وادعاء القدرة إما على التعايش معها أو الابتعاد عن مجابهتها، لأن النتيجة الحتمية لذلك تخطيط الجانب الإسرائيلي لمشروعه القديم اليميني بعنوان تقويض وصاية المسجد الأقصى وفرض خطة التقاسم الزماني والمكاني.
وهي مسألة باتت قناعة على الأقل في أقرب مسافة ممكنة من وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، الذي لا شكوك لديه بأن هذا ما تسعى إليه حكومة بنيامين نتنياهو في النهاية، مع التذكير بأن عمان لا يمكنها أن تقبل ذلك على أي نحو وبأي طريقة.
وأغلب التقدير أن انشغال الأردنيين في تطورات الـ 48 ساعة الأخيرة في القدس والمسجد الأقصى هو الذي دفع باتجاه تهدئة دبلوماسية في ردة الفعل، حيث قام الوزير إيتمار بن غفير وسط حراسة أمنية مشددة مع متطرفين يهود ومسؤولين في الحكومة بزيارة المسجد الأقصى واقتحمه، فيما تعتبره وزارة الأوقاف الأردنية تدنيساً جديداً واستهدافاً للأردن، الذي سبق أن اعترض وبشدة على زيارة مماثلة للوزير بن غفير قبل عدة أسابيع، قيل أمريكياً وإسرائيلياً في تفسيرها إنها لن تتكرر، وإنها لم تكن بقصد الاستفزاز.
لكن الزيارة الثانية بالتأكيد بقصد الاستفزاز؛ فبن غفير اقتحم المسجد الأقصى عملياً ومقدسات الحرم المقدسي مزنراً بالأسلحة والجنود، وفوق ذلك وافق نتنياهو اللعوب على تخصيص مبلغ لا يقل عن 17 مليون دولار لاستمرار الحفريات، وتحدث مجدداً عما سمّاه بتوحيد القدس ومشروع التوحيد العالق إسرائيلياً قبل منذ 56 عاماً.
في القدس، وبالنتيجة في الوصاية وفي الدور الأردني والوظيفة، يعود اليمينيون الإسرائيليون إلى إيقاعهم المقلق والمزعج الذي يغير المعادلات ليس في المزاج الرسمي والبيروقراطي الأردني فقط، ولكن أيضاً في المزاج الشعبي الأردني. لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل اجتمع طاقم نتنياهو في لقاء تشاوري استفزازي داخل أنفاق قريبة من قبة الصخرة، الأمر الذي يعني أن الاحتلال عبر تعبير حكومته اليمينية في طريقه لمعالجة مشكلاته الداخلية عبر الحسم في معركة القدس والمسجد الأقصى. ومستوى الارتباك الرسمي والدبلوماسي الأردني ليس مرده اليمينيون الموتورون في الجانب الإسرائيلي، ولكن وجود يمين إسلامي وفلسطيني وعربي اليوم يمكنه التسلل والاختراق والقضاء على كل ما تبقى من برنامج تخفيض العنف والتهدئة في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
والأردن أبلغ مبكراً، لكن بصمت وخلف الستائر والكواليس، بأن ما يفعله نتنياهو وطاقمه في القدس والمسجد الأقصى وفي الأنفاق، يقدم خدمات مجانية لتيارات فصائل المقاومة الفلسطينية مثل حماس والجهاد الإسلامي، ويمهد الأرض لتسلل الأجندة الإيرانية في عمق القضية الفلسطينية.
مثل هذا الصراخ أو حتى العويل العربي الذي تتميز به مصر بين الحين والآخر ودول السلام الإبراهيمي لم يعد يحدث تأثيراً في واشنطن؛ فحتى في عمق الحزب الديمقراطي الأمريكي الحاكم تقول المصادر الأردنية والفلسطينية في واشنطن إن التفاعلات هي بالحد الأدنى على الرغم من انتقاد حكومة نتنياهو بين الحين والآخر، وأنه لا خطة من أي نوع ومن أي صنف على الرغم من كل ما يحصل… على الأقل هذا ما أبلغه الدبلوماسي الأمريكي هادي عمرو نخبة من الإعلاميين والسياسيين الأردنيين عندما التقاهم مؤخراً في عمان.
معركة الأنفاق بدأت تحت قبة الصخرة والمسجد الأقصى، وهنا فصل جديد في الصراع يختبر الأردن بوضوح، لكن لدى عمان أوراقها، وأغلب التقدير أن استمرار مثل هذه الاستفزازات في عمق الوصاية الهاشمية الأردنية يعني بلا شكوك العودة للخيار صفر. وهو اتخاذ قرار وشيك على الأرجح بمغادرة السفير الإسرائيلي لعمان وإعلاء الصوت دبلوماسياً على الأقل، لأن بقية الوسائل في ظل ميزان القوى العربي قد لا تكون متاحة.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى