خاص

“طاف المر سيدي”..الأردني يمزق” قميصه”

هل يطوف المر ؟ .. ما الذي تعنيه صرخة كبيرة على شكل عبارة يقول فيها متقاعد عسكري اردني مصاب كما عرف على نفسه ” طاف المر .. سيدي جلالة الملك ” ؟.

لاحقا يطالب نفس الرجل بتقوى الله وفي لحظة انفعال مشحونة جدا بالسياسة والسؤال والاستنكار واللهفة والاستغاثة يمزق قميصه امام الكاميرا وهو يعيد التأكيد .. ” طاف المر .. سيدنا.. عبد الله بن حسين ” .

تم تبادل هذا الشريط لهذه الحادثة على نطاق واسع بين الاردنيين .

 لافت جدا بالنسبة لي اني شاهدته على اجهزة خلوية يملكها ثمانية على الاقل من المسؤولين والموظفين الكبار في الدولة وخلال اربعة ايام فقط .

 مضمون خطاب المتقاعد المصاب واضح ولا يختلف عن تذمر وضجر وحاجة ولهفة واستغاثة غالبية ساحقة من المواطنين الاردنيين حيث رواتب تقاعد ووظيفة ثابتة وارتفاع جنوني في اسعار السلع والخدمات وارتفاع اكثر جنونا في اسعار وفواتير الكهرباء والماء ومؤسسات عامة تشغيلية بلا ميزانية .

 وحيث ايضا حكومة صامتة وحائرة ومشاريع بقيمة صفر انتاج  واستثمار بات كالحلم بالتلازم مع ارتفاع حاد في مستوى التضخم وكلفة المعيشة وتراجع اكثر حدة في القيمة الشرائية للدينار .

 الاهم هو ان المر يطوف في هذه العبارة التي تختصر الام الاردنيين ومراراتهم في الوقت الذي تغلق فيه الكثير من المؤسسات التجارية والصناعية تحديدا ابوابها لعدة اسباب اهمها الارتفاع الكبير في فاتورة الطاقة .

 كل شيء يرتفع سعره في الاردن لان السلطة المركزية مصرة على سداد ديون شركة الكهرباء الوطنية  مع ان الاسهل هو ايجاد علاج حقيقي لنزيف الطاقة حيث تسرق الكهرباء بنسبة لا تقل عن 50 % وحيث السارقون في كثير من الحالات من المترفين وعلية القوم ومن محظوظي بزنس المزارع .

 غريب جدا بالنسبة لي كمواطن وصحفي ان تصر الحكومة على تخليص شركة الكهرباء من ديونها  بصرف النظر عن اي هدف استراتيجي اخر ومهما بلغت الكلفة .. تلك مفارقة تحتاج فعلا للتأمل والتعمق فالأردني اليوم يشعر بمساس عظيم بكرامته بسبب ارتفاع كلفة الكهرباء والمياه التي تقطع عن المساكين والفقراء والبسطاء ولا يعالج الامر عندما تسرق عبر مراكز قوة ونفوذ وشرائح محددة يعرفها القانون وتعلم بها السلطة .

ثمة ما يستوجب قرع جرس الانذار فالبيانات الاحصائية الرسمية تتحدث عن اكثر من 60 % من الاردنيين من اصحاب الدخل المحدود مرهونة رواتبهم ومداخلهم للبنوك ،الامر الذي راكم ازمة لا تعرف البنوك كيث تعالجها اليوم لان لديها فائض عملاق من العقارات المرهونة التي ينبغي ان تبيعها لاسترداد اموالها من قروض الاسكان حتى ان سوق العقار في حالة موت حيث مئات الآلاف من الشقق التي يعجز اصحابها عن بيعها .

 بكل حال لا نفهم بالاقتصاد ولعبة الارقام ونتركها للخبرة وما يهمنا التمعن في دلالات ذلك المواطن الذي مزق قميصه امام الكاميرا في مدينة العقبة جنوبي البلاد حيث راتب تقاعدي  تلتهم نصفه تماما فواتير المياه والكهرباء التي تنمو كل مرة  وراء الستارة  كالخيار المهرمن بإضافة بنود غريبة وعجيبة عليها مرة تلو الاخرى ودون شرح او تفصيل حقيقي او مقنع .

ازاء المشهد المشحون الذي يثيره المواطن صاحب القميص الممزق امام الدولة خياران: الاول انكار وجود مشكلة باعتبار الشعب الاردني وفقا للنغمة التي نسمعها بين بعض المسؤولين مدلل ولا يؤمن بالإنتاج واعتاد على الدولة الرعوية  ولا يريد تحمل جزء من مسؤولية تبعات الموقف السياسي الذي يطالب به .

 هذا الخيار انكاري بامتياز وهو ليس اكثر من محاولة بائسة وسقيمة لتغطية الشمس بالغربال فالأزمة كبيرة وخطورتها هذه الايام انها أفقية فأزمة المعيشة والمال والدينار  لم تعد تخص فقط ضحايا التضخم من الفقراء وذوي الدخول المحدودة فالجميع يشتكي التاجر والحارس والامير والغفير والغني والفقير .

اسهل ما يمكن ان يفعله اي مسؤول او موظف ضميره ينتمي لعائلة الكاوتشوك هو التعامل باستفزاز وترفع وغرور مع شكوى المواطن المشار اليه وعدم تمرير الشريط لصاحب القرار المركزي فتلك مهمة بسيطة تعفي مؤسسات القرار الخاملة والكسولة من مسؤولياتها وواجبها وتسترسل في حجب المعلومة عن القرار المرجعي .

 المهمة الاصعب وتمثل الخيار الثاني هي وضع صاحب القرار بالصورة التفصيلية وتحليل المشهد وقراءته بروح  مسئولة وطنيا وجريئة وتجنب ادانة انفعال المواطن الضحية والبدء بالإقرار بالحقائق والوقائع كما هي وكما تحصل .

المهمة الوطنية التي تنسجم مع فهمنا للولاء والانتماء تتمثل في ان يتجنب المسؤولون والمستشارون ارسال حفنة من الدنانير لذات المواطن صاحب القميص الممزق حتى يصمت ويمنع انتقال ذلك الشحن العاطفي العملاق الى الاقارب والجيران .

ينبغي ان تدرس الحالة في اطار التعاطي مع شريحة وطنية ممثلة لغالبية من الاردنيين الصامتين وان تبدأ الحوارات لتغيير الواقع فالأردني مواطن كريم وشهم ويستطيع تحمل الجوع عندما يشعر بان المسؤول صادق وبأن الفساد كسر ظهره فعلا”بالضمة” وبأن المسيرة بدأت وبقواعد لعب نظيفة هذه المرة  تمضي.

دون ذلك وتلك نصيحة لأصحاب القرار الاردني قد نشاهد قريبا جدا المزيد من مشاهد تمزيع القمصان وما بعدها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading